لسنواتٍ طويلة عملت الولايات المتحدة على هندسة وجودها في العراق بشكل أقل استفزاز يضمن عدم تعرض جنودها لأيّ استهداف في الساحة الأكثر حساسية في المنطقة. لكن اصطفاف بغداد في خندق المقاومة، أعاد النوايا الأميركية إلى مربع الصفر: هذه جنودكم ستدفع ثمن أي حماقة ترتكبونها. وبناء على هذا القرار جاء استهداف القواعد الأميركية في البلاد، متسببة بخسائر مؤكدة.
تعرضت القوات الأميركية في العراق إلى 4 هجمات خلال 24 ساعة. وبحسب الأنباء الواردة استهدفت الصواريخ والطائرات المسيّرة أهداف أميركية في كل من العراق وسوريا خلال الساعات الماضية، حيث أُعلن عن استهداف قاعدة فكتوريا قرب مطار بغداد، ومواقع في ريف دير الزور.
وقالت السلطات العراقية إن صاروخي كاتيوشا على الأقل سقطا في محيط قاعدة فكتوريا قرب مجمع يضم قوات أميركية. كما سُمع دوي انفجارات داخل قاعدة عين الأسد الجوية وتقع بمحافظة الأنبار غربي العراق.
المقاومة الإسلامية في العراق تبنّت الهجمات التي أتت بعيد تهديد فصائل المقاومة العراقية باستهداف مصالح الولايات المتحدة في البلاد على خلفية الدعم الأميركي لإسرائيل في حربها على قطاع غزة.
كان أول ما طمح إليه الرئيس الأميركي جو بايدن عند وصوله إلى البيت الأبيض، تهدئة منطقة الشرق الأوسط ثم الانتقال إلى مواجهة روسيا والصين. ورغب بتعبيد طريق الدبلوماسية التي تنادي بها إدارته الديموقراطية بعيداً عن التدخل العسكري، تحديداً في المناطق التي حاولت إيقاف الاستنزاف فيها، كالعراق وافغانستان. نتيجة ما تعلمته الإدارات المتعاقبة من الكوارث التي خلفها الغزو. وبالتالي، فإن اشعال المنطقة من جديد، هو آخر ما تريده واشنطن، خاصة في بغداد، لما تمثله من أهمية استراتيجية أميركية سعت لتحصينها طيلة عقود.
يستحوذ استقرار العراق والعلاقة معه على أهمية استراتيجية كبرى للولايات المتحدة في ضمان استقرار الخليج، وتدفق النفط إلى الاقتصاد العالمي، والحد من خطر نشوب حرب كبيرة مع إيران. وبحسب معهد واشنطن للدراسات فإنه يمكن تلخيص "أهمية استمرار علاقة الولايات المتحدة مع العراق بشكل أكبر في التهديدات من أربع فئات عريضة: تلك التي تشكلها إيران، والتأثير الإقليمي والمحلي للعراق المنقسم، ومنافسة القوى العظمى. يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في التركيز على المصالح الأربع، وإلا سيصبح العراق مصدراً رئيسيا للقلق بالنسبة للولايات المتحدة في المستقبل".
ويشير المجلس الأطلسي للدراسات، أنه "بعد أن ردت إسرائيل على هجمات حماس القاتلة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، خرج العراقيون إلى الشوارع في احتجاجات ضخمة مؤيدة للفلسطينيين، وأحرقوا الأعلام الإسرائيلية ورددوا شعارات معادية للولايات المتحدة. أعرب رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني عن تضامنه مع القضية الفلسطينية ووصف الرد الإسرائيلي بأنه "عدوان صهيوني وحشي". وردد أسلافه، بمن فيهم مصطفى الكاظمي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي ونوري المالكي، تضامن السوداني، مضيفين أن هجمات حماس كانت "ردا طبيعيا" على "الاستفزازات والانتهاكات الإسرائيلية". وأعربت الفصائل العراقية مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، عن دعمها للهجمات وأعلنت استعدادها لمهاجمة أهداف أمريكية إذا تدخلت الولايات المتحدة". ويتابع المجلس أنه "بالنظر إلى المشاعر المعادية لإسرائيل والمؤيدة للفلسطينيين لدى الشعب العراقي، فمن المرجح أن تحظى هجمات الفصائل ضد أهداف أمريكية كجزء من الدفاع عن الشعب الفلسطيني بالدعم. وعلاوة على ذلك، فإن أي نفوذ ضئيل لدى الحكومة العراقية للحد من مثل هذه الهجمات سوف يختفي".
بالنسبة لواشنطن، كانت استجابة بغداد لنداءات الشعب الفلسطيني في حربه ضد كيان الاحتلال هي الأكثر استفزازاً والتي لا تقل خطورة عن تلك التي يواجهها الكيان في الشمال على الحدود مع لبنان. اذ ان العراق يحتضن مروحة واسعة من المصالح الأميركية النفطية والأمنية والمالية. وهو ما يجعل من انخراط بغداد في معادلة الدفاع عن الأقصى، أمراً شديد الخطورة وستحاول كبحه بشتى الطرق، قد يكون عبر زيادة مساعيها لضمان عدم ارتكاب "إسرائيل" أي حماقة.
الكاتب: غرفة التحرير