منذ مدّة، تحوّل موضوع تطبيع السعودية مع الكيان المؤقت، على خلفية تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بذلك لقناة فوكس نيوز الأمريكية، الى محور أساسي من النقاشات والمقالات والتحاليل ومواقف القوى والشخصيات السياسية.
إلّا أنه يمكننا اعتبار موقف قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي هو الأهم والأبلغ من بين كلّ المواقف والآراء، لأنه استطاع بعدّة كلمات اختصار ما ستُقبل عليه السعودية من خطيئة، ستكون الخاسرة الأكبر فيها، عندما شبّه التطبيع بالمقامرة على حصان خاسر، وعندما أعاد التأكيد بأن كيان الاحتلال آيل للسقوط.
فخلال لقاء مع جمع من المسؤولين وسفراء الدول الإسلامية والمشاركين في المؤتمر الدولي الـ 37 للوحدة الإسلامية، وصف الإمام الخامنئي القضية الفلسطينية بأنها القضية الأولى للعالم الإسلامي في العقود القليلة الماضية. مؤكداً على أن رأي الجمهوريّة الإسلاميّة الحاسم هو بأنّ "الحكومات التي انتهجت مقامرة التطبيع مع الكيان الصهيوني وجعلتها مسلكاً لها سوف تتضرّر، لأن هذا الكيان آيل إلى زوال، ووفق تعبير الأوروبيّين هم يراهنون على الحصان الخاسر". مشدّداً على أن الشباب الفلسطيني والنهضة المعادية للظلم والغصب (أي محور المقاومة) هم أشدّ نشاطاً وحيويّة وجهوزية من أيّ زمن مضى، وأنّ "الكيان الغاصب" الذي وصفه الإمام الخميني بالسّرطان، سوف يُجتثّ "على أيدي الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في المنطقة كلها".
لذلك سنستعرض في هذا المقال، بعض تبعات وتداعيات اتفاق التطبيع في حال حصوله، والتي ستشكّل بالتأكيد نقاط قوة ومكاسب للقضية الفلسطينية، وعكسها خسائر ومخاطر للسعودية.
مكاسب القضية الفلسطينية بعد التطبيع السعودي
_ ستزداد وتتأكد مشروعيتها ومظلوميتها أكثر فأكثر، عند قسم كبير من شعوب العالم، وهذا ما سيدفعهم الى تطوير أشكال دعمهم لها ولمقاومتها، بكافة الطرق والوسائل.
_ سينهي التعاون السري ما بين السعودية والكيان، والذي لطالما تحدّثت الأوساط الإسرائيلية عنه، ويكشف حقيقة علاقتهما. هذا ما سيجعل جبهة المقاومة تأخذ حذرها وحيطتها أكثر من السعودية بعد الموقف التطبيعي (خاصةً الجهات والحركات التي لم تكن تأخذ حذرها من قبل).
_ سيكشف الجهات والشخصيات التي لطالما كانت تدّعي الحرص على القضية الفلسطينية، وتزايد على حركات ودول المقاومة، من خلال معرفة موقفهم من التطبيع السعودي (ترحيب أو استنكار أو غيره...).
وبالمقابل ستتعزز جبهة المقاومة والداعمين الحقيقيين للقضية الفلسطينية، وستتطور جهودهم وتعاونهم في سبيل تحقيق الهدف النهائي والحاسم.
الخسائر والمخاطر السعودية
_ فقدان المكانة المعنوية والروحية لها، لدى أغلب شعوب الدول الإسلامية والعربية، بما تمثله من دولة فيها أهم رمزيين إسلاميين وهما الكعبة المشرّفة والمدينة المنورة.
_ نشوء حركات معارضة داخلية لهذه الخطوة، ستشكّل خطراً على حكم آل سعود، بشكل يفوق بمئات المرّات، ما واجهوه مع حركات معارضة مثل الذي حصل عام 1979 مع جهيمان العتيبي (الذي ما كانوا بينجحو. لأن مشروعية القيام على حكمهم ستأخذها حركات المعارضة والمقاومة من شعوب الأمتين العربين والإسلاميتين، تحت شعار رفض التطبيع ونصرة القضية الفلسطينية.
وهنا يجب التذكير بموجة الذعر التي أصابت حكام المملكة خلال حقبة الربيع العربي – الصحوة الإسلامية (كانت قضية فلسطين وكيفية دعم المقاومة من العناوين الأساسية لثوار الربيع والصحوة)، ودفعتهم لتحريض الإدارة الأمريكية في عهد رئيسها آنذاك باراك أوباما، كي يقوموا بثورات مضادّة.
_ نشوء معارضة خارجية لهذه الخطوة، قد لا تقتصر ردّات فعلها ضد السلطات السعودية على الطابع السلمي، بل ربما تأخذ طابعاً عنفياً.
_ عند زوال الكيان، والذي باتت مؤشرات حصوله خلال السنوات القادمة كثيرة ومهمة، بالتزامن مع مرحلة "أفول أمريكا"، التي تعيشها منطقتنا اليوم، ستجعل حكّام السعودية في موقف صعب ومذلّ جداً لا يحسدون عليه.