أعادت الأسابيع القليلة، وما خصل خلالها من أحداث وتطورات ميدانية، تسليط الضوء على الوجود العسكري الأمريكي في العراقي وسوريا، وماهيته وأبعاده. لا سيما بعد ما كُشف عن استقدام تعزيزات لهذه القوات بالعديد والتجهيزات، وإجرائها تدريبات وتحصينات جديدة، فسّرها البعض بنية الإدارة الأمريكية التحضير والتنفيذ بقيام بعمل عسكري ذو بعد استراتيجي، يغير من الموازين والمعادلات مع محور المقاومة وربما حليفته روسيا أيضاً.
لكن هناك تقدير آخر مبني على معطيات عديدة، يشير الى وجود سيناريو آخر، وهو احتمال لجوء الولايات المتحدة الأميركية الى الخطة "ب" لتقسيم المنطقة، بعدما أعلنت مراراً نيتها الانسحاب من العراق وأنها لن تتدخل في سوريا (حيث تدّعي بأنها موجودة حصراً لمحاربة تنظيم داعش الوهابي الإرهابي).
وقد يكون ضمن مشروعها أيضاً، تنفيذ تحشيد جديد للمجموعات الانفصالية ودعمها، سواء تلك المتواجدة في سوريا أو العراق، لاسيما في مناطق شمال العراق وشرق الفرات، عبر قسد وغيرها من المجموعات العربية، بالإضافة الى دعم ما يحصل في مناطق السويداء وادلب. كل هذه الخطوات ضمن مسار مواصلة اثارة النعرات الطائفية والمذهبية والقومية والعرقية، للوصول الى أهدافها عبر تفتيت هذه المنطقة ذات الموقع الاستراتيجي.
محور المقاومة متأهب
وبطبيعة الحال، فإن محور المقاومة خاصة في سوريا والعراق ولبنان، الذي يعدّ الجهة الأساسية في التصدي للمشاريع الأمريكية في المنطقة، قادر على الاستجابة لهذه التحديات والتصدي للحشد الأمريكي والانتصار على مخططات واشنطن الجديدة هذه. مع الإشارة الى أن هذه الجهود تحتاج الى بعض الوقت، بسبب ما تمتلكه أمريكا من نفوذ كبير في هذه الدول. ولعلّ أبرز مثال على ذلك هو ما تعانيه المقاومة في الضفة الغربية من قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، التي تم تزويدها بالأسلحة والإمكانات لمواجهة المقاومين بالنيابة عن جيش الاحتلال الإسرائيلي. وهو ما لا يمكننا وصفه سوى بالمخطط الأميركي الإسرائيلي الجهنمي، وتشترك معهم أنظمة وجهات عربية ممن كانوا موجودين دائما بالخفاء وعلنية.
وعليه فإن محور المقاومة بكل تأكيد لن يقف متفرجًا على تفتيت الدولة السورية التي استطاعت الصمود لأكثر من 12 عاماً في الحرب الكونية عليها. لكن الخطير هو أن تقوم أمريكا لتفادي سيناريو الاشتباك المباشر عن طريق تشكيل قوة عسكرية، ودفع هذه القوة العسكرية لمواجهة الجيش السوري وحلفائه. ولن تبقى أميركا حينها متفرجة، بل قد تنصب نفسها حكمًا يفصل في النزاع.
إذاً هل تأتي اشتباكات قسد والعشائر العربية في إطار الخطة "ب"؟
هناك احتمال كبير بأن تكون واشنطن قد لجأت الى افتعال بعض الأحداث والتوترات الأمنية والعسكرية، مثل الاشتباكات التي حصلت ما بين ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية قسد والعشائر العربية في دير الزور وفي غيرها من المناطق، حتى أنها من الممكن أن تلجأ مستقبلاً الى الخطة "ب"، "ج"، أو "د" وغيرها، بهدف توسيع قوات التحالف، ومد السيطرة الأمريكية من منطقة التنف وصولاً الى البوكمال، ومنها في اتجاه الشمال للتواصل مع المناطق التي تسيطر عليها قسد، وصولًا إلى اقصى الشمال الشرقي، والامتداد كذلك نحو الجنوب الغربي في اتجاه السويداء ومنها الى درعا والقنيطرة، لضمان تشكيل منطقة آمنة تضمن اتصال الكيان المؤقت مع إقليم كردستان العراق. وهذا يعني أن تقسيم سوريا عند الأمريكي هو أمر محسوم أي تحصيل حاصل عاجلًا كان أم آجلًا.
هذه الحركة الأمريكية ليست مريبة فقط، بل تهدف الى خلق واقع استراتيجي جديد في المنطقة، بعد الانتصارات التي حققتها قوى ودول محور المقاومة في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين. وعليه يهدف الأمريكي من هذه الخطة أيضاً إيجاد نوع ما للتوازن.
المستهدف ليس محور المقاومة فقط
وهنا لا بد الالتفات إلى أن مخاطر الوجود العسكري الأمريكي وتحقيق الخطة ب، لا تقتصر على سوريا والعراق فقط، بل تمتد لتشمل أطراف محور المقاومة كلها من جهة أخرى، بل وتستهدف أيضاً قطع الطريق على ديناميكيات التغيير التي حركت باب الأحادية القطبية، وخلخلت نقاط ارتكازه وتثبيته، وهو ما ينبئ بأن العالم سيشهد بفعل صراع هذين الطرفين حينها حرباً عالمية أشدّ وأخطر من الحرب العالمية الثانية، لأن أمريكا تتصرف بشكل يشله جداً التصرفات النازية.
تحدّيات وأخطار الوجود العسكري الأمريكي
هناك الكثير من التحديات والأخطار لهذا الوجود الأمريكي في سوريا والعراق، تطال مختلف الجوانب داخليًا وإقليميًا ودوليًا:
_ فمن ناحية القانون الدولي، يعدّ الوجود العسكري الأمريكي في سوريا كما العراق (خاصةً بعد قرار مجل النواب العراقي عام 2020 طرد القوات الأمريكية)، هو تحدٍ جوهري للقانون الدولي، واعتداء سافر على ميثاق هيئة الأمم المتحدة، لأنه احتلال عسكري مباشر خارج القانون الدولي لأجزاء من جغرافية دولة مستقلة ذات سيادة، بما يتناقض مع كل ما هو متعارف عليه في اطار العلاقات الدولية.
_ تهديد الأمن والاستقرار في منطقة ذات أهمية جيواستراتيجية، لأن أي قوات تحت أرض دولة ما سيقوم شعوبها بشكل طبيعي بمقاومة هذا الاحتلال. وهذا ما سيبقي المنطقة مضطربة، ويفتح الأفق على شتى الاحتمالات بما فيها الذهاب نحو الهاوية.
_إن استمرار الاحتلال الأمريكي يعني تحدي الطموحات الصينية الساعية إلى مد جسور التعاون والبناء والتواصل المثمر من خلال مشروع الاستراتيجي "الحزام والطريق".
فالاحتلال الأمريكي سينسف الجهود التي تُبذل في سبيل بلورة هذا المشروع والدفع به نحو الامام، كما يعني قطع الطريق جغرافيًا أمام هذا المشروع، لأن استمرار الاحتلال يعني اخراج سوريا والعراق وإيران معًا من المعادلة، وإبقاء المنطقة مشغولة في التعامل مع تداعيات الاحتلال.
_استمرار الاشتباك الروسي الأطلسي في أوكرانيا، سيجعل الوجود العسكري للاحتلال الأميركي في المنطقة تحدٍ جديد لروسيا.
_ التحدي الأخطر سيكمن في محاولات اشعال منطقة الجزيرة السورية، والعمل على مد تأثيرات ذلك إلى منطقة الانبار في الداخل العراقي، واكتفاء الأميركي بالإشراف والقيادة للأعمال القتالية بعد اشعال حرب أهلية محلية، واعطائها صبغة حرب سنية شيعية، وصبغة عشائرية قبلية، وهذا ما يضمن بقاء المنطقتين خارج سلطتي الحكومات المركزية لبغداد ودمشق، كما يعني في الوقت ذاته تهيئة البيئة الأنسب لإعادة الحديث عن تقسيم أطراف من الدولتين، وهذا يستلزم وجود سيطرة بشكل مباشر على كامل المنطقة الحدودية ، وقطع طرق التواصل بين البلدين الذي يعني تلقائيًا قطع شريان التواصل والامداد مع طهران التي تعد هي القطب الأكبر في محور المقاومة.
_ بالنسبة للدولة السورية، سيشكل بقاء هذه القوات استمرار واشنطن بسرقة النفط والغاز والحبوب وبقية الثروات وحرمان الشعب السوري منها.
_قد تسعى أمريكا أيضاً في الفترة المقبلة إلى خلق اقتتال عشائري، خصوصاً بأنه ليست كل العشائر مرتبطة بالأميركيين، فهناك عشائر على تنسيق وتواصل مع الدولة السورية، أو مع حلفائها.
الكاتب: غرفة التحرير