زينب عقيل
الواقع أن كل أخبار التطبيع بين السعودية والكيان المؤقت هي من مصادر أمريكية أو إسرائيلية، وأنّ السعودية لحدّ الآن لم يصدر عنها أي تصريح يمكن أن يجيب على مجموعة من الأسئلة حول الصفقة التي تبدو تعجيزية في الظاهر، ولكن على الرغم من ذلك، يتزايد الحديث عن قرب إتمامها. حتى إن صحيفة يديعوت أحرنوت، قد وضعت توقيتًا لتنفيذ الصفقة في يناير كانون الثاني من العام القادم. هذه الصفقة التي تتضمن شروطًا من السعودية على الولايات المتحدة، تحتوي أيضًا شروطًا على السعودية في المقابل، منها تخفيف نفوذ روسيا والصين في المنطقة، وإبقاء الدول العربية في حالة عداء مع إيران. لكن ليس هذا ما تفعله السعودية في خضمّ الحديث عن قرب إتمام صفقة التطبيع.
إدارة بايدن المهتمة جدًا بإتمام الصفقة قبل بدء الانتخابات الرئاسية، هي مهتمة أيضًا بأسعار النفط التي من شأنها أن تجعل حظوظ بايدن أقل لدى الناخبين إذا ما ارتفعت. في المقابل، تتجه السعودية بالاتفاق مع روسيا إلى تخفيض الإنتاج للمرة الثالثة، حتى يصل سعر البرميل إلى 100 دولار. فالسعودية التي كانت تصدّر 7 مليون ونصف برميل، تصدّر الآن 5 مليون في اليوم الواحد، أما روسيا، فمن المتوقع أن تخفض صادراتها إلى 300 ألف برميل يوميًا في شهر سبتمبر أيلول الجاري. وذلك "في إطار الجهود المبذولة لضمان بقاء سوق النفط متوازنة". لكن هل يعتبر هذا التخفيض متوازنًا بالنسبة للولايات المتحدة ومخزوناتها الاستراتيجية؟
بالنسبة للولايات المتحدة وإدارة بايدن تحديدًا، يعتبر سعر 100 دولار للبرميل ضربة ساحقة تقع على صنادق الاقتراع. إذ يسعى هؤلاء جاهدين لإبقاء سعر البرميل تحت سقف 88 دولارًا. فبدأ السحب من الاحتياطي الأمريكي الاستراتيجي للنفط منذ بداية عام 2023، ثم يقف عند مستوى معين، وذلك بهدف تهدئة السوق. لكنه ابتداءً من 25 أغسطس آب بدأ ينخفض بشكل كبير. والجدير ذكره أنّ المخزون الاستراتيجي هو وسيلة لجأت إليها الولايات المتحدة كي لا يتمكن أحد من التأثير عليها، ولكي تبقى قادرة على خوض الحروب والتأثير. لكن هذا المخزون يسجّل انخفاضًا ملموسًا كلَّ أسبوع. وهو مؤشّر يدلّ على أنه ثمة مشكلة في السوق النفطي العالمي على مستوى الوفرة وعلى مستوى السيطرة على الأسعار.
يعرف الأمريكيون جيدًا أن السعودية هي التي تقود أوبك، وكانت قد اتهمتها إدارة بايدن، لدى أول عملية تخفيض للإنتاج بأنها تفعل ذلك لصالح روسيا في صراعها مع الكتلة الغربية. وعليه، فإن أي عملية استفزازية جديدة للولايات المتحدة خاصة في مسألة النفط، هي إعلان صريح عن أنّ السعودية لا تحفر في الدروب التي تمليها صفقة التطبيع، ما يشي أنّ ثمة حواجز كبيرة في طريق التطبيع الرسمي، خاصة أن مطالب السعودية بالضمانات الأمنية الأمريكية ودعم برنامجها النووي هو آخر ما ترغب به إسرائيل، التي تقودها حاليًا الحكومة الأكثر يمينية في تاريخها، في تلبية المطالب السعودية بتقديم تنازلات للفلسطينيين.
اللافت أيضًا أنه على الرغم من الاستفزاز السعودي للولايات المتحدة في أوبك، وعلى الرغم من أنّ الدخان الأبيض لم يخرج بعد من الكونغرس الأمريكي حول الضمانات الأمنية والبرنامج النووي، من المتوقع أن يسافر بريت ماكغورك ، كبير مستشاري الرئيس بايدن في الشرق الأوسط، إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع للقاء كبار المسؤولين الفلسطينيين ومناقشة مكون فلسطيني محتمل لصفقة ضخمة محتملة بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل ، حسبما ذكرت أربعة مصادر أمريكية وفلسطينية مطلعة على القضية لأكسيوس. وحول أهمية ذلك، يقول الموقع الاستخباري إن إدارة بايدن تعتقد أن الاتفاق الذي يتضمن اتفاق سلام بين السعودية وإسرائيل يفيد الفلسطينيين أيضًا، فسيكون من الأسهل بكثير إقناع عدد كاف من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين بدعم الصفقة. خاصة أن العديد من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الذين سيتعين عليهم التصويت على أجزاء من أي اتفاق ينتقدون بشدة الحكومة السعودية أو الإسرائيلية أو كليهما.
على الرغم من الزخم الذي تحشده إدارة بايدن لإتمام صفقة التطبيع، إلا أنّ ثمة تحديات واضحة للغاية لن يتمّ فكّها بسهولة. صحيح أنه في صفقة التطبيع هذه ليس مطلوبًا من إسرائيل سوى التوقف عن ضمّ الأراضي وترك نية الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 مفتوحة للمستقبل، إلا أنّ حكومة الاحتلال الحالية لا تنوي تقديم تنازلات للفلسطينيين. وكان نتنياهو قد صرّح في أوائل شهر أغسطس آب الماضي، بأن أي إيماءات صغيرة من جانبه تجاه الفلسطينيين ستكون في الأساس "مجرد مربع عليك التحقق منه لتقول إنك تفعل ذلك".