عادة ما يتم تبرير المساعدات الأمنية الأمريكية من خلال مبدأ "بناء قدرات الشركاء". لكن ثمة القليل جدًا من الأدلة التاريخية التي تشير إلى أن الجيش الأردني هو في الواقع قوة قتالية قادرة. إذ لم يخض الأردن نزاعًا مسلحًا كبيرًا منذ نصف قرن، إلا مرة واحدة عندما أجرت قواته المسلحةغارة جوية ضدّ داعش في سوريا عام 2014. وليس ثمة ما يثبت به الجيش الأردني أنه قادر وكفوء كشريك للجيش الأمريكي على أرض المعركة. كما أن الكثير من البنية الدفاعية الأردنية قد تمّ نقلها جزئيًا إلى الولايات المتحدة، لكنّ الواضح أنه على الرغم مما يقوله المسؤولون الأمريكيون، فإن القوات المسلحة الأردنية هي ليست أكثر من "حرّاس للقصر"، وما المساعدات الأمنية السخية للأردن على مدى عقود من الزمن، إلا لحماية النظام الملكي "الهاشمي"، والذي لا يمكن أن يستمرّ في الوجود من دون الدعم الأمريكي.
يستند هذا المقال على مقابلة أجراها موقع Responsible Statecraft التابع لمعهد كوينسي مع مؤلف كتاب "المساعدة الأمنية في الشرق الأوسط"، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تمبل شون ياوم. والذي يرى في أحد فصول الكتاب أن الجيش الأردني ليس أكثر من "قوة حامية معتادة على ضبط الأمن في المجتمع للحفاظ على النظام الاستبدادي في الداخل أكثر من القيام بالعمليات المعقدة". وكان كبير ضباط الجيش الأمريكي مارك ميلي، في مقابلة حديثة مع هيئة الإذاعة الأردنية الحكومية، قد أغدق الثناء على القوات المسلحة في البلاد، "إنهم قادرون جدًا، إنهم يقودون بشكل جيّد". يقول ميلي.
نادرًا ما يٌذكر علنًا أن المساعدات الأمريكية الأمنية في الأردن لا تهدف إلى بناء قدرات الشركاء بل إلى ضمان الوصول السياسي إلى النظام الملكي الهاشمي وتليين العلاقات الأمريكية الأردنية للتأكد من أن هذا التحالف الثنائي سلس ويسمح للجانبين بتحقيق مصالحهما المتبادلة. في حالة الأردن، مصالح العائلة الملكية هي الحفاظ على الاستقرار، وتلقي المساعدات والأسلحة من الولايات المتحدة، والحفاظ على سيادتها، ومصلحة واشنطن، الحفاظ على الحدود الاسرائيلية الشرقية آمنة، وبحسب ياوم، للتأكد من وجود واحة عربية موالية (بل تابعة) في قلب الشرق الأدنى. لكن السؤال الأساسي للأمريكيين يبقى: هل تدعم المساعدات الأمريكية الاستبداد في الأردن؟
مما يُدان به الأردنيون، ما وافق عليه الملك عبد الله مؤخرًا على قانون الجرائم الإلكترونية الذي من شأنه أن يسمح للحكومة بسجن مواطنيها لنشر "أخبار كاذبة" أو "تقويض الوحدة الوطنية" – وهي مصطلحات يتركها القانون إلى حد كبير دون تعريف. وتأتي حملة القمع ضد التعبير بعد ثلاث سنوات فقط من سحق الحكومة لنقابة المعلمين في البلاد، التي كانت في السابق بمثابة وسيلة أساسية للمعارضة السياسية في الأردن. وعندما سُئل الكاتب عما إذا كانت المساعدات الأمريكية الأمنية باعتبارها تدعم الجيش الذي يحمي العائلة المالكة، تدعم الاستبداد في الأردن، أجاب: نعم أعتقد ذلك. ولكن مع بعض المحاذير. الأول هو أن الأردن، من منظور مقارن، ليس فريدا من نوعه في كونه بلدا متوسط الدخل يحتاج نظامه الاستبدادي إلى مساعدات أجنبية للبقاء على قيد الحياة. التحذير الآخر هو أنني لا أعتقد بالضرورة أن الدعم والمساعدات الأمريكية هي السبب الوحيد الذي يجعل نظام الحكم الحالي في الأردن قادرا على الصمود. ولديها آلياتها الخاصة للبقاء على قيد الحياة، سواء كانت تحشد الدعم من دوائر معينة في المجتمع، مثل بعض المجتمعات القبلية، أو تعتمد بشدة على شركاء آخرين في المنطقة.
قد لا يكون الدعم الأمريكي هو السبب الوحيد لصمود النظام الأردني، لكنه سبب رئيسي وراء تمكّن النظام الملكي الهاشمي من الحفاظ على استراتيجيته الحالية للحفاظ على السلطة، والتي ليس فيها مظاهر ديموقراطية تحتاجها الإدارات الأمريكية لتبرير الدعم للكونغرس وللشعب الأمريكي. بل الأكيد، أن الدعم الأمريكي هو ما يزيد قدرة العائلة المالكة زيادة قبضتها على الشعب الأردني الذي يرغب بالحكومة الديموقراطية بكل وضوح. ويشعر أن الولايات المتحدة التي لا تضغط نهائيًا على العائلة الملكية اتحقيق الإصلاحات، هي متواطئة، وتحافظ على الوضع الاستبدادي الراهن. ومن خلال المساعدة في الحفاظ على البنية التحتية السياسية ، فإن الولايات المتحدة متواطئة في استمرار الركود الاقتصادي والاجتماعي في الأردن. فمقابل كل دينار تنفقه القيادة الأردنية على المواد الأمنية أو العسكرية وهي كثيرة، كلما نقص ذلك من أموال الأردنيين التي يمكن إنفاقها على البرامج الاجتماعية أو التنمية الاقتصادية.
من الناحية الجيوسياسية، يلعب الأردن وظيفة مهمة في الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة كجزء حاسم من بنيتها التحتية لصنع الحرب في الشرق الأوسط، فضلا عن كونه واحة أو جزيرة استقرار موالية للغرب في قلب "حزام محطم" في الشرق الأوسط. وبسبب هذه العوامل، لا تواجه واشنطن مشكلة كبيرة في توفير مثل هذه الكميات الوفيرة من المساعدات العسكرية للقوات المسلحة الأردنية. وقبل كل شيء، بطبيعة الحال، يتاخم الأردن الكيان المؤقت. إن دور الأردن في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهدفه الأساسي كشريك سلام لإسرائيل يبرّرلصانعي السياسة الأمريكيين لماذا يجب عليهم الاستمرار في دعم تحديث وتسليح القوات المسلحة الأردنية تحت ستار بناء قدرات الشركاء ولكن مع العلم جيدًا أن الأردن لن يخوض حربًا في أي وقت قريب.