زينب عقيل
بعد الحرب العالمية الثانية، وبهدف مساعدة أصحاب القرار في تحليل القرارات المتداخلة، أي حينما يعتمد خيار جهة ما على خيارات جهات أخرى، تم تطوير "نظرية الألعاب"، تقوم على مبدأ أنّ الصراع المسلّح غير منطقي بالأساس، بسبب التكلفة المادية والبشرية والسياسية لدى الطرفين لا سيما في الحروب الدولية. لكنه يسقط حينما تبرز حالة لايقين حول هوية المنتصر في حالة حدوث الحرب، مما يفتح مجالًا لاشتباك عنيف في الوقت الذي يشكك فيه الطرف الآخر في قناعة الطرف الأول مثلًا باللجوء إلى العنف نتيجة معرفته بأنها مكلفة بالنسبة له، خصوصًا لدى القرارات الاستراتيجية المتعلقة بالصراعات على الموارد، وهو الأمر الذي يمكن مقاربته في مضيق هرمز في حال قررت الولايات المتحدة إشعال منطقة شرق الفرات، وإغلاق الطريق الواصل بين طهران ودمشق وصولًا إلى بيروت.
الواقع أن شرق الفرات هو جزء من استراتيجية أمريكية طويلة تهدف إلى إحداث شقوق بين التحالفات الإقليمية الناشئة في المنطقة. شهدت تحشيدات ضخمة واستقدام قوات أمريكية جديدة في الفترة الأخيرة، بهدف إحكام السيطرة على منطقة الميادين والبوكمال وصولًا إلى نقطة التنف على الحدود الأردنية. وهو الأمر الذي يعني قطع الطريق بين دول المحور. ومع إدراك الولايات المتحدة لخطورة هذه الخطة، إلا أن حالة انعدام الخيارات في ظل تزايد تهديد وحدة الساحات لدى محور المقاومة في وجه مصالحها وحمايتها للكيان المؤقت، قامت بالتوازي بتعزيز أسطولها الخامس مع وصول 3000 جندي وسفينتان. وهو الأسطول الذي يتركز في نقاط حرجة أهمها مضيق هرمز بهدف "مواجهة الخطر الإيراني". لكن المفاجأة جاءت من عملية تعقّب زوارق حربية تابعة لحرس الثورة الإسلامية، لحاملة هليكوبتر عسكرية أمريكية ومنعها من التحليق. فما هي الرسالة؟ وهل سيسمح محور المقاومة بقطع الطريق بعد كل ما فعله للحفاظ عليه مفتوحًا؟
المؤكّد بحسب مصادر خاصة لموقع الخنادق أن محور المقاومة سيتّخذ موقفًا حاسمًا من هذه الخطوة يمكن أن تشعل المنطقة في سوريا والعراق، وتكون معها القواعد العسكرية الأمريكية أهدافًا مباشرة. بالتزامن ألمح اللواء "ذوالفقار" المسؤول عن تأمين الملاحة والسيطرة على مضيق هرمز، إلى أن إغلاق مضيق هرمز هو قرار قابل وجاهز للتنفيذ، حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار بالمصالح الإيرانية في حركة العبور، وحتى لو أدى إلى أزمة عالمية للطاقة في ظل توقف ناقلات النفط الخليجية عن العبور.
قيمة هذا الخط الواصل بين طهران وبيروت، أو معبر البوكمال، والمسمى باسم طريق الحاج قاسم، لم تعد مقتصرة فقط على تأمين بقاء قوى المقاومة في المنطقة. ذلك أنه بات يشكّل خطرًا على الداخل الإسرائيلي. إذ يتدفّق من خلاله الدعم نحو الضفة الغربية. وهو الطريق الذي أفشل المشروع الأمريكي في المنطقة بأداة الإرهاب الداعشي، وحافظ على الدولة في لبنان والعراق وسوريا من الجماعات التكفيرية ومن التقسيم. وهو يمتد من بغداد نحو الفلوجة والرمادي وهيت وحديثة وصولاً للقائم، ثم يدخل سوريا بعد ذلك، متجهاً شمالاً نحو مدينة الميادين ثم دير الزور، ويتفرع هناك إلى طريقين، أحدهما نحو حلب واللاذقية على البحر المتوسط، والثاني يتجه جنوبًاً، مروراً ببلدتي كباجب والسخنة بالبادية السورية، ثم مدينة تدمر، ومنها يتفرع بطريقين، أحدهما نحو الفرقلس ثم مدينة حمص، والثاني يتجه نحو القلمون الشرقي بريف دمشق، وصولاً إلى العاصمة السورية، حيث يرتبط بالطرقات الدولية التي تصل دمشق بلبنان، وبجنوب سوريا.
صحيح أن الأهمية العسكرية والسياسية تطغى حاليًا على الإمداد الاستراتيجي الذي يشكله المعبر، إلا أن هذا لا يلغي الأهمية الاقتصادية، إذ يتيح إعادة طريق التجارة البري بين الدول الأربعة. ويساعد في التخفيف من آثار الإرهاب الاقتصادي على إيران، أو ما يسمى العقوبات. وهو المشروع الممر البري الاستراتيجي الذي يوصل إيران إلى شواطئ البحر المتوسط.