لا تنفكّ الولايات المتحدة عن دقّ الأسافين بين إيران وجيرانها في شمال شرق آسيا والخليج الفارسي، خاصة أن إيران تتمتع بعلاقات جيدة مع الدول في العمق الآسيوي، ما عدا تلك الدول التي يؤخذ قرارها السياسي في دول تتنافس مع إيران. كما أن مكونات القومية والهوية الإسلامية، إلى جانب السمات الجغرافية للبلاد، تقود إيران إلى التواجد في المنطقة وكسب المصالح الوطنية. وهو ما تسعى واشنطن لمنعه. وآخر هذه المساعي هو لقاء في الدوحة بين وفد أمريكي ووفد من طالبان، طلبت فيه الأولى من حكومة طالبان أعمالًا عدائية ضدّ إيران مقابل الإفراج عن أموال أفغانستان، حسبما أفاد مصدر مقرّب من طالبان لموقع الخنادق، إلا أنّ الإمارة رفضت العرض وأكدت على موقفها المبدئي للجانب الأمريكي بأنها لن تتآمر ضدّ إيران.
حقيقة لقاء الدوحة بين الولايات المتحدة وطالبان
وتعليقًا على جدوى اللقاء بين الطرفين علّق المصدر بأن لقاء طالبان مع الأمريكيين ما هو إلا مضيعة للوقت، إلا أنّ ثمة ملفات تستدعي الجانبين للجلوس معًا. من جهة واشنطن، فإنها بالإضافة إلى محاولة إبعاد الأفغان عن إيران وروسيا والصين، فإنها مهتمة بمتابعة ملف الأسرى الأمريكيين والسجناء الأجانب لدى أفغانستان. أما من جهة طالبان، وبحسب ما أفاده المصدر، فإنها تتابع ثلاث قضايا:
- تحليق الدرونز التجسسي والعسكري فوق أفغانستان.
- دخول داعش من باكستان.
- الهيمنة الاستخباراتية الأجنبية على الأراضي الأفغانية.
أما القائمة السوداء والإفراج عن أموال أفغانستان وغيرها مما تمّ الحديث عنه كعناوين، فوضعه المصدر في إطار "الحجج الظاهرية".
التوتر بين إيران وطالبان
في أيار الماضي، أدت الاشتباكات الحدودية والنزاعات المائية إلى رفع التوتر بين إيران وطالبان، إلا أنّ كل من الطرفين قام بإيماء يهدف إلى خفض التوتر مباشرةً. كانت الخلافات حول حقول المياه هي السبب الرئيسي للاشتباكات الحدودية. وبشكل عام، تلوم طالبان إيران على المشاكل، تمامًا كما تلوم إيران طالبان على عدم الاستجابة وعدم المرونة.
من جهة إيران، أكد رئيس الجمهورية السيد رئيسي على حاجة طالبان إلى الاعتراف بحقوق إيران المائية، وحذّر من عدم إعطاء منطقة سيستان وبلوشستان التي تعاني من الجفاف، حقوقها المائية. وقد صرح وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان بأنه طلب من الجانب الأفغاني فتح أبواب سد كاجاكي قبل ضياع الوقت حتى يتمكن كل من شعبهم الذي هو في الطريق وشعب سيستان من الحصول على الماء. ومع ذلك، رفضت طالبان طلب وزير الخارجية الإيراني، حيث قال مسؤولو طالبان إنه حتى من خلال فتح بوابات السد، لن يصل أي شيء إلى إيران بسبب انخفاض منسوب المياه. ذلك أن السدّ قد بناه الأمريكيون بطريقة لا يستفيد منها أحد فطلب الجانب الإيراني فتح تحقيق بالمسألة وإرسال خبراء إيرانيين.
ومن الجهة الأخرى، مؤخرًا، تعتبر طالبان أنّ سفر وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان إلى باكستان ولقائه بالمخابرات الباكستانية بمثابة خطوات عدائية بالنسبة للأفغان، فهذا اللقاء يعني الضغط على طالبان. كما أن تصريح عبد اللهيان الأخير حول حادث الهجوم على القنصلية الايرانية في مزار شريف عام 1998 والذي أدى إلى استشهاد 8 دبلوماسيين إيرانيين وصحفي، بأن "الشعب الإيراني لن ينسى حادثة مزار شريف"، تضعه طالبان في خانة الاستفزاز، خاصة أنّ الأخيرة تُسقط هذه القضية في يد المخابرات الباكستانية، حيث "قام أحد المرتزقة الباكستانيين بالتفجير"، بحسب الرواية الأفغانية.
إيران وطالبان: للحد من التوترات
الواقع أنه منذ استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان عام 2021، كانت هناك 12 حالة من التوترات الحدودية تمّ السيطرة عليها من خلال المفاوضات، وأظهر خلالها الطرفان حرصًا على حلّ المشاكل. أغلبها خلافات سياسية عرضية على المستويات الدبلوماسية مثل التهريب وقضية اللاجئين، وهي مشاكل ليست على مستوى القضايا الجوهرية التي تجمع البلدين مثل الهوية الإسلامية، والأهم محاربة الاستكبار المتمثل بالولايات المتحدة.
صحيح أنه في الأروقة السياسية الإيرانية ثمة انقسام حول العلاقة مع طالبان سببها حادثة مزار شريف، كاد وقتها أن يدفع البلدان إلى حافة الحرب عام 1998، إلا أنّ المشاعر المعادية للولايات المتحدة أدى إلى التخفيف من حدة الموقف والدفع نحو التعاون بعد عودة طالبان إلى السلطة عام 2021، وتحسنت العلاقات الدبلوماسية بينهما. لكن يبقى في البلدين من يدفع باتجاه العلاقات المتوترة بحسب الأجنحة السياسية الحاكمة. لكنها توترات مهما ارتفعت، سيعيدها العداء للولايات المتحدة إلى مستوياتها الطبيعية، بل من شأنه أن يحسّنها، وهو ما فعلته طالبان في مفاوضات الدوحة عندما قالت لن نتآمر على إيران.