"الشباب الإسرائيلي يهرب اليوم، الجيش يتكلم عن مأزق العنصر البشري والشبابي في الجيش الإسرائيلي، وخصوصاً في القوات المقاتلة"، تطرق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في قوله هذا الى أزمة القوة البشرية التي يعاني منها جيش الاحتلال مقابل القوة البشرية المتصاعدة والمندفعة نحو المواجهة لدى شعوب محور المقاومة. فإلى جانب التهرّب من خطوط القتال الأمامية، وغياب العقيدة لدى "الشباب الإسرائيلي"، تفتك ظاهرة الانتحار بصفوف هذا الجيش.
سجّل شهر نيسان / أبريل الماضي 3 حالات انتحار في جيش الاحتلال، بينها 2 في الأسبوع الأخير منه. وقد ادعت "القناة 11" العبرية أنّ أسباب الانتحار لم تكن معروفة. فيما اشارت دراسات عبرية أنّ شعور الجنود بـ "الخطر" في الداخل الفلسطيني المحتّل، وكذلك في القدس والضفة الغربية، حيث تصاعد عمليات المقاومة المختلفة، من إطلاق نار، ودهس، وطعن، يعدّ سببًا مهمًا. وخلال ذلك الشهر، رُصد 189 عملًا مقاومًا، وقع في أراضي الـ 48، أمّا في القدس والضفّة فقد نفّذ المقاومون 987عملاً مقاوماً، بينها 139 عملية إطلاق نار واشتباك مسلح مع قوات الاحتلال.
العام الماضي 2022، شهد أيضًا بالتزامن ارتفاعًا لحالات الانتحار لدى جنود الجيش وتصاعدًا لأعمال المقاومة في القدس والضفة. اذ أظهرت معطيات الجيش أن 14 جنديًا انتحروا خلال العام 2022، وهو المعدل الأعلى في حالات الانتحار التي تسجل في صفوف الجنود الذكور منذ 5 سنوات. فيما قتل الرائد بار فلاح بعملية إطلاق نار في أيلول / سبتمبر. وقتل الرقيب عيدو باروخ في عملية إطلاق نار أخرى نفّذها الشباب الفلسطيني بالقرب من مدينة نابلس في تشرين الأول / أكتوبر. أمّا الرقيب نوا لازار فقد قتلت بدورها أيضًا في عملية إطلاق نار نفذت عند حاجز للاحتلال في القدس المحتلّة في الشهر نفسه.
صنّفت دراسة أجراها "مركز الأبحاث في الكنيست" الانتحار على أنّه السبب الثاني الذي يؤدي الى مقتل الفئة العمرية حتى منتصف العشرينيات التي تنخرط في جيش الاحتلال. وعزت الأسباب الى "تنامي الاضطرابات النفسية بصفوف الجنود هو السبب الرئيسي للإقدام على الانتحار، ويعود ذلك لضغوط نفسية واجتماعية وكذلك أمنية وحالة الحرب والاقتتال المتواصلة".
كما بيّنت هذه الدراسة أن العديد من حالات الانتحار في الجيش لم يتم تشخيصها فقط باضطراب نفسي، إذ إن معظم الجنود الذين انتحروا عانوا مدة طويلة من قلق بشأن المستقبل، وعاشوا حالة إحباط مستمر، وارتباك شديد، وشعور بعدم الانتماء للإطار العسكري، بل أيضًا أن النظام العسكري نفسه في الكيان القائمِ على التجنيد الإلزامي يولّد الدافع نحو الانتحار.
أرقام تؤكد تفشي الظاهرة
في السنوات من العام 2006 والعام 2015، والتي شهدت العدوان الإسرائيلي على لبنان، و3 حروب شنّها الاحتلال على قطاع عزّة (2008 – 2012 – 2014)، والتي استخدم فيها الجيش قواته البرية لاقتحام القطاع، سجّلت الإحصاءات الإسرائيلية، أنّ ربع قتلى الجيش قتلوا بسبب إقدامهم على الانتحار.
في تفاصيل الأرقام، انتحر 21 جنديًا عام 2011، فيما أقدم 14 جنديًا على هذا الفعل عام 2012، ثمّ 6 آخرين عام 2013. الى أن وصل عدد الجنود الذين أنهوا حياتهم من العام 2014 ولغاية العام 2021 الى 100جندي، وذلك بمعدّل حالة انتحار في العام الواحد تقريبًا. ولُوحظ أنّ أغلبية حالات الانتحار تمت خلال خدمة الجنود في المواقع، أو معسكرات التدريب، أي وهم أثناء خدمتهم الروتينية.
من ناحية أخرى، كشفت معطيات الجيش عن ارتفاع معدلات طلبات الإعفاء من الخدمة العسكرية أو التجنيد الاجباري، المقدّمة من فئة الشباب في "المجتمع اليهودي" بسبب اضطرابات نفسية وأسباب اجتماعية. ففي العام 2015 بلغت نسبة هذه الطلبات 4.5% وارتفعت الى 8.5% مع نهاية العام 2020.
يتعمد الاحتلال بموجب الرقابة العسكرية التعتيم والتضليل على العدد الحقيقي لحالات الانتحار، ويزعم ان الوفاة تمت جراء حادث تدريب أو حادث طرق. وهو ما قالته علنًا القناة 11 العبرية إلى أن "الجيش الإسرائيلي عادة ما يتجنب نشر المعطيات التي تتعلق بعدد الجنود الذين أقدموا على الانتحار خلال تأدية الخدمة العسكرية".
مشكلة الانتحار لا تقتصر على صفوف الجيش، بل إنها ظاهرة متفشية في "المجتمع اليهودي"، اذ بيّنت إحصاءات رسمية لمركز الأبحاث في "الكنيست"، أن كيان الاحتلال يسجّل 500 حالة انتحار سنويًا، ما يعني أن "اسرائيليًا" ينتحر كلّ 22 ساعة. وقد سجّلت 100 حالة من بين المجموع الكلي لحالات الانتحار لدى الشباب من عمر 15 إلى 24 عامًا.
الكاتب: غرفة التحرير