أطلق الكيان المؤقت الثلاثاء الماضي، مناورات هيئة الأركان المشتركة تحت اسم "القبضة الساحقة"، التي ستستمر لمدة أسبوعين، سيتم خلالها فحص سيناريوهات الهجوم والدفاع من عدة ساحات في وقت واحد، من الجو والبحر والأرض، وعبر السبكتروم والفضاء الإلكتروني السايبر. وستتركز التدريبات في المنطقة الشمالية من فلسطين المحتلة، على محاكاة تسلل قوات حزب الله، وإطلاق نيران كثيفة على التجمعات الحدودية (وهذا ما يُثبت بأن رسائل مناورة حزب الله قد وصلت لسلطة القرار في كيان الاحتلال).
وفي هذا السياق، أكّد أحد الجنرالات في جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنّ "الحرب مع حزب الله تقترب، ولا تشبه حروب غزة السابقة، والحرب مع حزب الله ستكون قاسية ومدمرة وغير مسبوقة لإسرائيل، ويجب على الشعب اليهودي التماسك والتحلي بالصبر".
وهذا ما أكّدت عليه وثيقة جيش الاحتلال لمستوطني شمال فلسطين وزعت بالأمس جاء فيها: "الحرب القادمة مع حزب الله أقوى بكثير من الحملة التي عشناها في حرب لبنان الثانية وهي مختلفة عنها"، وأنه أثناء القتال مع حزب الله "هناك احتمال لانهيار البنية التحتية مثل الكهرباء والمياه والإنترنت والاتصالات"، كما "ستكون دقة الصواريخ وقوتها كبيرة جداً". كما حذّرت الوثيقة المستوطنين من أنهم لن يستطيعوا الحصول على مساعدة من قوات الأمن والإنقاذ، مقدّمة لهم التوصيات بشراء صناديق من المياه المعدنية، وطعام جافّ، ومصباح يدوي مع بطّاريات (...) وكذلك الأدوية المزمنة، وخافضات الحرارة ومسكّنات الآلام.
لا حرب؟!
هذه المناورات تأتي في سياق طبيعي وضروري بالنسبة لجيش الاحتلال، ولا تعكس حرباً مقبلة بالضرورة، لأن طبيعة المتغيرات التي حصلت وتحصل في المنطقة، تدفعه الى إجراء تمارين عسكرية بشكل دوري ومفاجئ، أبرزها:
1)أكّد قائد شعبة أمان في جيش الاحتلال أهارون هاليفا خلال مؤتمر هرتزيليا مؤخراً، أن الكيان منذ تاريخ إنشائه يعيش في منطقة معقدة، وأن التطورات الأخيرة زادت من التعقيد، لناحية الاتجاهات العالمية وتأثيرها على المنطقة وتأثيرها على كيان إسرائيل، بالإضافة الى الاتفاق السعودي الإيراني، أو لناحية مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية بالسعودية، وتراجع مسار التطبيع بين دول المنطقة والكيان، والأخطر بالنسبة له هو جرأة أطراف محور المقاومة لا سيما حزب الله في الاعتقاد بأن بإمكانهم صنع معادلات جديدة. وفي هذا الإطار كشف الجنرال هاليفا بأن حادثة مجيدو لم تكن لوحدها، وبالتالي حزب الله قد يقدم على خطوة تكون سبباً لاندلاع حرب كبرى في المنطقة.
وأضاف هاليفا أن التعامل مع هذا التهديد يكون عبر استخدام القوة بطريقة مدروسة ومحسوبة، وهذا ما يؤكد بأن قادة جيش الاحتلال يعمدون الى إطلاق التهديدات في محاولة منهم لتحقيق ردع ما لا أكثر.
2)أكد هاليفا أيضاً بأن إيران رغم تُشكيلها تهديدا حقيقيا لإسرائيل، وأن المواجهة معها أصبحت مباشرة. إلا أنه أعرب عن تقديره بأن إيران لم تتخذ قرارا بعد بصنع أسلحة نووية. وهذا ما يؤكد بأن سلطة القرار العسكري أطلقت التهديدات ضد إيران، لردع محور المقاومة بعد سلسة الانتصارات التي استطاع تحقيقها وآخرها خلال معركة ثأر الأحرار.
وهذا ما تؤكّده تصريحات المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي قبل انطلاق المناورة الحالية، وبعد المؤتمر أيضاً، بأن تصريحات قادته لا تعني بأن الحرب على الأبواب.
3)تأكيد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في الخطاب الذي ألقاه في ندوة سوريف 2023 بمعهد واشنطن أن سياسة إدارة الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، تهدف الى "محاولة تخفيف التوترات، ومحاولة الحد من مخاطر نشوب صراعات جديدة، ومحاولة إنهاء الصراعات القائمة". وبالتالي فإن إدارة بايدن لا تريد اندلاع حرب لا تريدها، لأنها تريد التركيز على صراعها مع روسيا والصين.
وفي هذا الإطار نشير إلى أن انتقال إسرائيل من التبعية للقيادة الأمريكية العسكرية الأوروبية إلى القيادة العسكرية المركزية قد جاء بهدف ضمان عدم أخذ جيش الاحتلال لقرارات عسكرية لا تتقاطع مع المصالح الأمريكية. وتأتي زيارة القائد العام للقيادة المركزية (CENTCOM) الجنرال مايكل كوريلا، لمتابعة المناورة في أيامها الثلاثة الأولى بهذا السياق.
4)كيان الاحتلال يدرك أكثر من غيره مصداقية تحذير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخير الذي قال فيه عن الحرب الكبرى وما ستؤدي إليه نتائجها: " أنا أقول لرئيس حكومة العدو ووزير حرب العدو، رئيس أركان جيش العدو، قادة العدو، عليكم أن تنتبهوا وأن لا تخطئوا في التقدير، ليس أنتم تخبروننا بأن لا نُخطىء في التقدير، عليكم انتم ان لا تخطئوا أيضاً في التقدير، وأُكرر ما قلته في يوم القدس أنه يمكن أن تخطئوا في التقدير فترتكبوا خطأ ما في غزة أو في الضفة أو في فلسطين أو في لبنان أو في سورية أو في إيران وقد يؤدي إلى تفجير كل المنطقة، قد يكون خطأكم في التقدير هو الذي يؤدي إلى الحرب الكبرى في المنطقة، والحرب الكبرى في المنطقة هي التي ستودي بكم إلى الهاوية، إن لم تودي بكم إلى الزوال، لذلك عليهم أن يتراجعوا، وهم تراجعوا على كل حال، عن تهديداتهم وأن يتخلوا عن عنجهيتهم وأن يعرفوا أن الزمان هو غير الزمان". وعليه فإن الكيان عند أي حرب سيواجه سيناريوهين لا ثالث لهما: الهاوية أو الزوال.
الكاتب: غرفة التحرير