بصعوبة وحذر تقاوم السعودية الرياح الأميركية العاتية. لا قدرة لها على الوقوف أمام إرادة البيت الأبيض القائمة على إبقاء الوضع في اليمن على ما هو عليه، إلى حين العودة لتأجيجه مجدداً، ولا تمتلك من الرفاهية ما يضمن لها أماناً من ضربات صنعاء التي أكدت على لسان رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، ان "استقرار السعودية مرتبط باستقرار اليمن". مهدداً ان "ضرر التصعيد سيكون على الجميع".
تعكس الوقائع رغبة الأطراف المتصارعة بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار ثم التمهيد لمرحلة سياسية جديدة، أضف إلى ذلك بعض القوى الدولية كروسيا والصين. إلا ان حسابات الحقل في واشنطن تختلف عن حسابات البيدر في الرياض.
تحاول الإدارة الأميركية إبطاء التوصل إلى اتفاق وبالتالي تفجير المفاوضات في الوقت الحالي. اذ انها ترى ان استئناف الجولات القتالية بين صنعاء والرياض، قد يمنح الأخيرة شروطاً أفضل للتفاوض مما يضمن لها ظروفاً أقوى لترسيخ نفوذها في البلاد.
خلال الفترة الماضية، قدم المبعوث الأميركي الخاص لليمن، تيم ليندركينغ، تعليقات متشائمة على المحادثات الجارية: "لا أتوقع حلاً للصراع المستمر منذ حوالي 8 سنوات أن يحدث بين عشية وضحاها...العملية السياسية ستستغرق وقتاً ومن المرجح أن تواجه انتكاسات عديدة". مضيفاً "لا يزال هناك قدر كبير من عدم الثقة بين الأطراف".
عكست الشيفرة الدبلوماسية تلك، رغبةً أميركية مُبطّنة بإحداث عرقلة للجهود العمانية التي تحاول إيجاد تقارب سعودي-يمني.
منتصف نيسان/ أبريل، ومع ورود أخبار اتفاق بين السعودية وإيران، هرع الدبلوماسيون الأمريكيون إلى الرياض لوضع مزيد من المكابح. وذكر موقع أكسيوس في ذلك الوقت أن بريت ماكغورك، أحد كبار المبعوثين إلى المنطقة، وليندركينغ "أكدا على دعم الولايات المتحدة للدفاع عن السعودية ضد التهديدات من اليمن أو أي مكان آخر، وشددا على الحاجة إلى إقامة تكامل إقليمي أوسع واستقرار من خلال مزيج من الدبلوماسية والردع والاستثمارات والبنية التحتية الجديدة". وجاء هذا الصراخ والحديث عن ضمانات أمنية جديدة في الوقت الذي كان يتم فيه تبادل مئات الأسرى بين الرياض وصنعاء.
بذلت واشنطن جهوداً مكثفة لنقل المفاوضات من مسقط إلى الأمم المتحدة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، فيدانت باتيل، ان الإصرار هو للتأكد من أن الصفقة "شاملة وجامعة".
يقول المدير التشريعي لسياسة الشرق الأوسط في لجنة الأصدقاء للتشريعات الوطنية، حسن الطياب، الذي لعب دوراً رئيسياً في تمرير قرار سلطات الحرب: "الخطاب الأمريكي يجعلني متوتراً... أنا قلق من أنهم سيستخدمون فكرة أنهم بحاجة إلى سلام شامل مثالي كشرط مسبق لرفع الحصار...يبدو بشكل متزايد أن إدارة بايدن تفضل إبطاء التقدم الدبلوماسي بدلا من إنهاء الصراع".
وعلى عكس ما تروّج واشنطن بأن مدة أطول من المحادثات يعني سلاماً أكثر ديمومة، فأن استمرار الحصار بالشكل هو عليه الآن، والذي يزيد من معاناة اليمنيين على مختلف الصعد، توازياً مع استمرار عرقلة المفاوضات ومحاولة فرض شروط لا تأخذ بعين الاعتبار ما فرضه الميدان، سيزيد دون ريب فرص عودة الجولات القتالية بين الجانبين، بضربة تحذيرية تبدأها صنعاء.
قبل يومين، أرسلت مجموعة مؤلفة من 30 ديمقراطيّاً في مجلس النواب رسالة إلى وزارة الخارجية تحث الولايات المتحدة على تقديم التزامين اثنين بغية انهاء الحرب، وحثت الدبلوماسيين الأمريكيين على:
-"التصريح علناً والالتزام بأن واشنطن لن تقدم أي دعم إضافي بأي شكل من الأشكال لأي طرف فصيل في الصراع اذا فشلت المحادثات الجارية".
-"التصريح علناً بأن الحصار السعودي على موانئ اليمن - وهو شكل من أشكال العقاب الجماعي ضد اليمنيين- يجب رفعه دون قيد أو شرط، كما سعى قادة الإنسانية الدولية العالمية منذ فترة طويلة". فهل ستجيب واشنطن لهذا الاقتراح؟ الأكيد أن كل ما يجري لا ينبئ بذلك.