يأتي الاستقطاب الحاصل في الكيان المؤقت على خلفية ماضٍ لم يندثر من الصراع الحادّ بين مختلف فئات التركيبة الاستيطانية اليهودية، وتاريخ الشقاق الديني بين المحافظين المتدنيين (الحريديم) والعلمانيين، والعرقي - الطبقي القديم بين الأشكناز (يهود الغرب وأوروبا) والسفارديم (يهود الشرق)، والحديث بين الأشكناز والفلاشا (يهود الحبشة). وتجدر الإشارة هنا إلى أن عرب إسرائيل غير منخرطين في الحراك الجاري، بمعنى أنه إسرائيلي بحت ولا مكان لقضيتهم في الخلاف بين النخب اليهودية على تعددها وتناقضاتها.
أصدر مركز دراسات غرب آسيا تحليل وضعية لديناميات النزاع اليهودي على الشكل التالي:
اليهود يشكلون كتلة غير منسجمة: مجتمع متشكل من قوميات، واعتقادات دينية، وطبقات وفئات وموازين قوى
تعيش تبدلات في التوازن الداخلي: الحراك الديموغرافي المتقاطع مع خطوط التعددية الداخلية، يصنع تدافع وتغيير في المواقع.
تواجه أعداء كثر متلاحمين وأكثر جرأة وقدرة: تطور محور المقاومة على الصعد المختلفة وتمتين العلاقات ضمن التعددية الواسعة التي يتشكل منها، وذلك بفعل التجارب المتراكمة مع العدو، والنجاحات في الميادين المختلفة للمواجهة.
أولًا: لم تساهم المواجهة في تليين حركة التبدل الداخلي
- حاولت الحكومة الاستفادة من لحظة المواجهة لأجل تحسين أوراقها وتقديم نفسها على أنها قائد المواجهة المنجز.
- حاولت المعارضة الاستفادة من لحظة المواجهة لتحميل الحكومة ووزرائها المتطرفين مسؤولية الانهيار الأمني.
ثانيًا: الاتجاه المتطرف يدفع الأعداء الخارجيين إلى التلاحم
- الإتجاه الديموغرافي الصاعد والذي يشكل دافع الحراك الداخلي، هو اتجاه متطرف، ويعمل على تسريع المواجهة مع أصحاب الأرض.
- يعمل الإتجاه المتطرف على السير بخطة مختلفة، وذلك لفرض وجوده والتعبير عن حضوره في المجتمع اليهودي، تمهيداً لفرض رؤيته الدينية المتطرفة على الدولة والقوانين والسياسات.
- يحتاج المتطرفون إلى مقاربة خاصة بهم، تستوعب حاجتهم للفعالية والحضور والتأثير والسلطة والنفوذ، وتسمح لهم بفرض استراتيجية خاصة بهم.
- يعتقد الاتجاه المتطرف أن التريث والقضم التدريجي للحقوق الفلسطينية لا يؤدي إلى فرض السيطرة على القدس في ظل تنامي حالة الرفض والمقاومة.
- تسريع المواجهة يعطي فرصة لقوى المقاومة في المنطقة لتسريع التشبيك البنيوي والعملياتي فيما بينها.
- يؤدي هذا التشبيك إلى تنمية الثقة والجرأة لدى محور المقاومة، ويؤدي إلى وضع الكيان المؤقت في حالة تلقي الصدمات، والوقوع في كمين متعدد الاتجاهات، بحيث يعاني في اتخاذ قرار بشأن الساحة التي تشكل أولوية بالنسبة له، خصوصاً وأن فتح المعركة في ساحة، قد يجر عليه معارك في ساحات موازية.
- يحتاج إلى تماسك داخلي متين، ليستطيع اتخاذ قرار بالمخاطرة في هكذا لحظة مصيرية، وهذا التماسك غير متوفر، لديه مشاكل داخل الدائرة الضيقة لاتخاذ القرار.
ثالثًا: الأفرقاء الداخليين إلى مزيد من الانقسام
- التنامي الديموغرافي للتيار المتطرف ينعكس نفوذاً في كل المجالات والميادين والمؤسسات الرسمية والقطاع الخاص.
- التيار المتطرف متزمت وليس لديه إلا فرض التزمت في التعبير عن تنامي نفوذه، فكلما تقدم نفوذه، ازداد تعبيره عن أفكاره المتطرفة المكبوتة في ظل سيطرة الطرف الآخر.
- النظام السياسي للكيان المؤقت يعاني من خلل رئيسي، عدم وجود دستور أو حدود، حول جزءاً كبيراً من السلطة القانونية إلى الكتلة الوازنة في الدولة، والتي تشكل المحكمة العليا التي تقرر صلاحية القوانين.
- تضخم سلطة المحكمة العليا بفعل غياب الدستور والحدود، أعطى للتيار العلماني الأشكنازي سلطة مضاعفة حتى في حال خسارتهم للأغلبية التمثيلية في البرلمان والحكومة.
- يحتاج المتطرفون إلى تغيير جذري في بنية الدولة ليتاح لهم التعبير عن أغلبيتهم البرلمانية/الحكومية، وإلا سوف تبقى ممنوعة نسبياً من الصرف والتسييل العملي.
- تم تقييد مرونة النظام التمثيلي في الكيان المؤقت من خلال المحكمة العليا، ولذا فإن تغيير موازين القوى لصالح التيار المتطرف، يحتاج إلى تغيير جذري في بنية الدولة.
دينامية استمرار النزاع وتفاقمه
- الأشكيناز بدورهم يخافون من هذا التحول القادم، والذي سيفرض عليهم تغييرات قانونية شاملة وتغيير في المقاربة الاستراتيجية الأمنية للمشكلات الداخلية مع الفلسطينيين، يعتقدون أنها ستؤدي لتفجير الدولة.
- الشريعة التي يريد السفارديم المتطرفون تطبيقها تتناقض بشكل تام مع البرنامج القانوني العلماني الذي فرضته الحركة الصهيونية في فلسطين منذ إنشائها، وكذلك الرؤية الأمنية الصدامية العنيفة وغير المنضبطة في التعامل مع المشكلة الفلسطينية في الداخل تتناقض مع البرامج الاقتصادية والأمنية والسياسية التي اعتمدها الكيان.
- إذا استطاع المتطرفون استغلال وجودهم لأول مرة بشكل منفرد في السلطة الحكومية وهيمنتهم على البرلمان، فسيدخل الكيان في التحول التاريخي، ولذلك هم لا يستطيعون التراخي أو استخدام المرونة، يحتاجون خلال هذه الحكومة للوصول إلى التحول.
- يدخل عامل وجود شخصية محكومة بحسب القانون بعدة ارتكابات (نتنياهو) على رأس الحكومة، يجعل من البرنامج اليميني ضرورة لاستمرار الحكومة، وبالتالي ضرورة لبقائه بعيداً عن قضبان السجن.
- يحاول خصوم المشروع اليميني استهداف رئيس الحكومة وإضعافه بكل الطرق وفي المجالات المختلفة، معتبرين أن لديه نقطة ضعف لجهة تورطه في الفساد، ولذلك لا يقبلون بقيامه بلعب دور الوسيط بين الطرفين، ويطمحون لإسقاطه نتيجة عدم الثقة به، وطمعهم بالوصول إلى السلطة كذلك.
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا