كان قرار ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بتنويع مصادر الدخل الوطني ومحاولة التخلّص من التبعية للذهب الأسود تحضيراً لعالم ما بعد النفط، نابع من شعوره بالتهديد الذي قد يمنع وصوله إلى العرش اولاً، ثم تحجيم دور المملكة إذا ما خسرت تأثيرها القوي على أسعار النفط العالمية. إلا ان المغامرة التي انطلق بها بن سلمان وصلت حد التهور، كإرث الحرب على اليمن الذي لم ينجح طيلة 8 سنوات بإيقافها وتحييد بناه التحتية -التي يحاول استثمارها في رؤية 2030- عن الضربات الصاروخية، أو كالاستثمار ببنوك كانت المؤشرات تدل على أنها تمر بانتكاسة مالية ليست عابرة، كما حصل تماماً في "كريدي سويس"، الذي أعلن عن افلاسه قبل أيام.
تزامناً مع الطفرة في أسعار النفط العام الماضي، طلب بن سلمان من البنك الوطني السعودي، استثمار 1.5 مليار دولار في مجموعة Credit Suisse Group AG التي كانت الشكوك حول انهيارها قد بلغت أوجها.
كان من المفترض أن يكون الاستثمار السعودي في Credit Suisse المدخل المثالي للمملكة إلى القطاع المصرفي العالمي، مما يعزز مكانتها الناشئة كقوة استثمارية تغذيها النفط. فقد أبرم السعوديون الصفقة عندما كانت أسعار النفط أقل بقليل من 100 دولار للبرميل، مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
الآن، يكاد الاستثمار السعودي يُقضى عليه بعد اندماج Credit Suisse الطارئ مع UBS Group AG. بعدما أدى انهيار بنك كريدي سويس أيضًا إلى محو استثمارات بمليارات الدولارات قام بها الصندوق السيادي القطري وعائلة العليان التي تتخذ من السعودية مقراً لها، مما جعل الخليج أحد أكبر الخاسرين من تراجع الأسهم المالية منذ انهيار بنكين أميركيين الأسبوع الماضي.
الخسائر الفادحة هي تذكير بكيفية حرق دول الخليج للاستثمار في البنوك الغربية وصناديق التحوط خلال الأزمة المالية في عامي 2007 و2008. حيث انخفضت قيمة الأصول الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2008 بمقدار 100 مليار دولار إلى المجموع. 1.2 تريليون دولار، دون احتساب المقتنيات الشخصية الهائلة لأسرهم الحاكمة، حسبما أفاد مجلس العلاقات الخارجية ومقره نيويورك في عام 2009.
لم تكن البنوك السعودية قد استثمرت بكثافة في البنوك الأجنبية حتى وقت قريب، لكن لديها الآن طموحًا للحصول على ملف مصرفي عالمي كجزء من أجندة التنويع الاقتصادي الأوسع التي تشمل زيادة المحفظة الاستثمارية لصندوق الثروة السيادية السعودي، صندوق الاستثمارات العامة، قال ديفيد باتر، محلل اقتصاديات الشرق الأوسط في معهد تشاتام هاوس الفكري بلندن.
قال بعض الأشخاص إن مايكل كلاين، وهو مصرفي سابق في شركة Citigroup، وعمل منذ فترة طويلة مع عملاء في الشرق الأوسط، قد ربط صندوق الاستثمارات العامة بقيمة 600 مليار دولار مع Credit Suisse في الخريف الماضي. احتاج البنك المتعثر إلى مليارات الدولارات لتمويل خطة تحول من شأنها أن تنقله بعيدًا عن الخدمات المصرفية الاستثمارية نحو إدارة الثروات. كان السيد كلاين يعمل على الإصلاح الشامل كعضو مجلس إدارة في Credit Suisse.
قال بعض المسؤولين التنفيذيين في الصندوق السعودي إن الأمر ينطوي على مخاطرة كبيرة، مما أثار قضايا قانونية واحتمال حدوث خسائر كبيرة في المستقبل.
وقال بعض المصادر إن صندوق الاستثمارات العامة ربط بين كريدي سويس والبنك الوطني السعودي أكبر بنك في المملكة له علاقات وثيقة بالحكومة. وقال بعض الأشخاص إن الأمير محمد أعطى الضوء الأخضر للبنك السعودي للاستثمار في بنك كريدي سويس.
وبحسب ما أشارت صحيفة وول ستريت جورنال، فإن ذلك قد جعل استثمار البنك الوطني السعودي أكبر مساهم في Credit Suisse، بنسبة ملكية تقل قليلاً عن 10 ٪. في ذلك الوقت من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، قال رئيس مجلس إدارة البنك الوطني السعودي عمار الخضيري للصحيفة إنه على الرغم من فضائح البنك، والخسائر الفادحة، واستبدال التنفيذيين، وتراجع الثقة في السوق، إلا أنه لا يزال يمثل قيمة للمملكة. وقال إنها تستخدم القطاع المالي لإجراء إصلاح شامل لاقتصادها المعتمد على النفط مع انتقال العالم إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وتقول الصحيف ان منطقة الخليج ترتبط بعلاقات عميقة مع بنك كريدي سويس. بدأت قطر الصغيرة الغنية بالغاز الطبيعي في اقتناص أسهم في Credit Suisse مع تذبذب الأسواق في عام 2008، وقادت مجموعة من المستثمرين من القطاع الخاص الذين ضخوا مليارات الدولارات في الشركة في الأسابيع التي أعقبت انهيار Lehman Brothers، مما أدى في النهاية إلى بناء حصة بقيمة أكثر من 3 مليارات دولار.
استثمرت قطر وعائلة العليان معًا 6.2 مليار دولار أخرى في الشركة في عام 2011 من خلال نوع خاص من الديون. في عام 2013، حولت قطر أكثر من 4.5 مليار دولار من هذا الدين إلى سندات تسمى سندات رأس المال الإضافي من المستوى الأول - والتي من المتوقع أن تُمحى كجزء من صفقة Credit Suisse مع يو بي إس. ومن غير المعروف ما إذا كانت قطر لا تزال تمتلك أيًا من هذه السندات.
بدأت ثقة المستثمرين في Credit Suisse في التذبذب الأسبوع الماضي بعد انهيار بنك Silicon
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال قد أشارت سابقًا أن مجموعة يقودها البنك الوطني السعودي اقترحت ضخ حوالي 5 مليارات دولار في بنك كريدي سويس. بموجب الخطة، كان حاملو سندات Credit Suisse يتمتعون بالحماية الكاملة. ورفض وزراء سويسريون العرض.
الكاتب: غرفة التحرير