منذ إعلان الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، دأبت وسائل إعلام خليجية خاصةً سعودية، والعديد من الصحافيين والمحللين التابعين لمحمد بن سلمان، على "ذرّ الرماد في العيون" حول أسباب حصوله، من خلال الإيحاء بأن الجمهورية الإسلامية في إيران هي التي رضخت لمنطق الحوار والتفاهم، وأنهم "يأملون" التزام طهران بما وعدت في بنوده. كما لم يتوقفوا عن تكرار العديد من الأكاذيب التي صيغت خلال السنوات الماضية، للذمّ بالجمهورية الإسلامية والدفاع عن حكام السعودية، حول العديد من القضايا في المنطقة.
لذلك فيما يخص بأسباب حصول هذا الاتفاق، فلم يعد الأمر بحاجة لأي برهان وأدلة، بأن السعودية هي من رضخت لخيار الحوار والتفاهم، الذي التزمت فيه إيران منذ انتصار ثورتها الإسلامية عام 1979، والذي حرصت دائماً على التمسك به والمطالبة به، كخيار وحيد لدول المنطقة كي يتعاونوا فيما بينهم على حل المشكلات، بعيداً عن تدخلات وهيمنة الدول الأجنبية وبخاصة الأمريكية والبريطانية. لذا لعلّ السلطات السعودية كانت ترفض هذه الدعوات الإيرانية سابقاً، لأنها كانت مؤمّلة وواثقة أكثر بحماية الولايات المتحدة الأمريكية لها عبر وجودها العسكري المباشر، والذي أثبت تأثيره خلال السنوات القليلة الماضية!
أما بالنسبة للأكاذيب فسنفند فقط ما يشيرون إليه بدور إيران التخريبي في المنطقة:
يبدو أن البروبغندا السعودية باتت وفقاً لرؤى ولي عهدها الوسطية، تعتبر حركات وقوى المقاومة في المنطقة، سواء في العراق وفلسطين ولبنان واليمن، هو دور تخريبي لإيران، فيما تناست أدوارها التخريبية فعلاً في هذه البلدان، وعلى امتداد مراحل زمنية مختلفة.
ففي العراق، حكام السعودية هم ممن شجعوا صدام حسين على خوض حربه ضد الجمهورية الإسلامية، التي دامت أكثر من 8 سنوات، وكان دعمهم المالي يرتفع بشكل كبير، مع تحقيق القوات الإيرانية للإنجازات الميدانية. حرب صدام حسين هذه، هي التي أدت الى وقوع خسائر بشرية ومادية ومعنوية هائلة لدى البلدين، ما زالت تأثيراتها الى يومنا هذا.
ثم هم (أي حكام السعودية) الذين دعموا وأحضروا القوات العسكرية الأمريكية والغربية خلال التسعينيات وخلال العام 2003، لمواجهة صدام، ومكنوهم من التواجد والبقاء في هذه المنطقة، لكي يزعزعوا أمنها واستقرارها.
كما أن الرياض هي المسؤولة عن آلاف العمليات الانتحارية التي حصلت في العراق والمنطقة، في فترة ما بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وخلال غزو داعش عام 2014، من خلال تمويلها ودعمها للتنظيمات الإرهابية ذات الفكر التكفيري الوهابي، وهذا ما بات محسوماً بالأدلة الدامغة لدى العديد من الجهات الرسمية العراقية.
أما في لبنان، فإن الدور التخريبي السعودي فيه لم يستثن حقبة دون أخرى نذكر أبرزها:
_ قامت بتمويل العديد من الميليشيات من جميع الأطراف والجهات، خلال الحرب الأهلية عام 1975.
_نفذ عملاؤها العديد من المجازر والعمليات الإرهابية، أفظعها مجزرة بئر العبد التي نفذتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وراح ضحيتها حوالي 100 شهيد بينهم أجنّة في بطون أمهاتهم.
_دعمها لمسارات الاستسلام والتسوية بدلاً عن خيار المقاومة خلال التسعينيات.
_ فرض الضغوط السياسية ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، ودعمها فريق 14 آذار الذي تسبب بالكثير من أزمات البلاد السياسية والاجتماعية والأمنية، وأخطرها جلسة مجلس الوزراء الفتنوية في 5 آيار / مايو 2008، وما تمخض عنها من قرارات كادت تشعل حرباً أهلية، لولا حكمة المقاومة وحزمها.
_ بيان إدانة عملية المقاومة خلال حرب تموز عام 2006، والذي اعتبر مشاركة معنوية للرياض في المجازر الإسرائيلية.
_ إجبار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على إعلانه الاستقالة صيف العام 2017، ولسخرية القدر كانت حجة ذلك آنذاك بأن لبنان يخضع للهيمنة الإيرانية.
_ المشاركة في حصار لبنان وشعبه منذ العام 2019، بالتماهي مع خطط الإدارة الأمريكية لإخضاع الشعب اللبناني ومقاومته.
وفي اليمن، ما يزال أبناؤه يعانون من حصار وحرب عبثية دامت أكثر من 8 سنوات، لتجرؤهم على اختيار سلطة سياسية ليست تابعة للرياض وأبو ظبي. ناهيك عن عقود من سنوات التدخلات والحروب العبثية الأخرى، لأن هدف الحكام السعوديين كان دائماً الهيمنة على قرار هذا البلد، ومنعه من التقدم والازدهار، والبقاء في خانة الدول الفاشلة التي تعتاش على المساعدات والهبات.
أما في سوريا، فمن أبرز محطات التخريب السعودي فيها، ما حصل خلال الحرب عليها عام 2011. حيث كانت السلطات السعودية من أوائل الدول المساهمة في إشعال الحرب، من خلال الضغوطات السياسية والابتزاز على الحكومة السورية أولاً. ثم تأمين الغطاء الديني والدعم المعنوي والمادي والعسكري للجماعات الإرهابية، مثل: جيش الفتح (أحد أسماء جبهة النصرة)، جيش الإسلام، الجيش الحر، حركة نورالدين الزنكي، داعش الوهابي الإرهابي.
ولم تكتفي الرياض بذلك، ففي آب / أغسطس العام 2013، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال بأنه تم تعيين الأمير السعودي بندر بن سلطان لقيادة جهود السعودية للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وهذا ما اعتبرته حينها الـ CIA دليلاً على جدية المملكة في تحقيق ذلك. وقد كشف رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني منذ مدة، بأن بن سلطان طالب بمبلغ 2 تريليون دولار لإسقاط الرئيس الأسد.
الكاتب: علي نور الدين