يتساءل كثيرون -ليس على مستوى منطقة الشرق الاوسط انما على مستوى العالم ؛-لماذا لم يألف الفلسطينيون والاسرائيليون بعضهم بعضا ،باعتبار أن قدرا -ان صدقاً وان كذباً -فرض عليهما السكن على ارض واحدة ؟! هذا السؤال لم يلق جوابا شافيا لسببين الاول ان الصهاينة يصرون على ان ارض فلسطين ملكا لهم ولايحق لاي انسان اخر ان يقاسمهما (هذا الملك )!
بالمقابل فان الشعب الفلسطيني يرى ان فلسطين أرضه وتاريخه ووجوده، وان الصهاينة مجرد ناس مفترين افترضوا ارضا لهم وصدقوا كذبتهم!
ليس غريبا ان(130) الف فلسطيني يعملون داخل الارض المحتلة ،وهؤلاء يشكلون نسبة عالية من العمالة في معامل وشركات اسرائيلية ويستفيدون من الاجور لسد احتياجاتهم .هؤلاء العمال يتعرضون الى انتهاكات يومية، خاصة عند المعابر الحدودية وفي هذا الحديث يطول، وان "اسرائيل" تفضل العمالة الفلسطينية لأنهم يجيدون اللغة العبرية، وثانياً لانهم يعودون الى مساكنهم بالضفة الغربية بدلاً من العمال الآسيويين وغيرهم الذين لبعد دولهم لا بد من السكن داخل الارض المحتلة.
فاذا كان هذا الرقم الكبير من الفلسطينيين يدخلون ويخرجون ويعملون في معامل الصهاينة ومثلهم مليون ونصف من مواطني الداخل من الفلسطينيين فلماذا لا يتعايشون او على الاقل ان يتفاهموا ولو الى حين؟.
اولا ان الفلسطيني (العامل) الذي يدخل الى الاراضي المحتلة لغرض العمل يتعرض الى إهانة وتمييز عنصري يومي يجبره على الرد ولو على حساب لقمة عيشه، ويرى في كل بناء واعمار ومؤسسة ومصنع ومزرعة أنشئت على ارض فلسطين هي ملك لشعبه، وثانيا ان الشخصية اليهودية شخصية ناقمة على الآخر مهما كانت جنسيته مادام ليس يهوديا.
هذا التصنيف (الآخر ) واحد من مشكلة اليهود عالمياً فهم فئة ترى بالخلاف مع الآخر واحداً من اسباب بقائها وديمومة وجودها، لذا تجد ان القرآن الكريم أفرد آيات كثيرة تذّكر بتآمرهم ومخططاتهم الخطيرة (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )، هم مشعلو الحروب، وحين تعود الى الحروب الكبرى بالتاريخ تجد انهم وراءها كما انهم يسعون بالارض فسادا. اما لماذا يكرهون الآخر فلأنهم يرونها وسيلة لتحشيد ابنائهم للمزيد من الترابط والعمل المشترك باعتبار انهم "امة مميزة" ولهذا فهي محط "حسد الامم"!
نسبة عالية من العمال الفلسطينيين بالداخل يعملون بالزراعة لان اليهودي لا يزرع بيده خشية ان يتفاعل مع الارض فيلتصق بها، و شعارهم الاساس وطنك حقيبتك !، أي ما تملك من مال بحقيبتك!، اما الذين يسكنون "اسرائيل" الآن فهم اليهود الخارجين عن القانون وشرذمة المجتمع ساقتهم قيادات عسكرية يهودية ناقمة تحت اوهام وآراء مفترضة ان لليهود وطن، ولا شك ان أغلب اليهود لا يؤمنون بأن لليهود دولة ووطنا.
وليس غريباً عندما تسأل قادة هذا الكيان عن سبب قبولهم هذا العدد الكبير من العمالة الفلسطينية يقولون اموالهم تنفق داخل المحيط!وكما يقال حساب اليهود!
ثم ان اليهودي يرى في كل المخلوقات بما فيها الانسان سلعة! فمع وصول المهجرين الاوكرانيين -بسبب الحرب -الى "اسرائيل" عاجل السماسرة الصهاينة الى تسويق النساء الاوكرانيات الى دولة الامارات لغرض العمل بصفة (عاهرات) رغم انهن (هوديات! فاسرائيل لا تستقبل غير اليهود من المهجرين!
يقول الكاتب الفلسطيني نمر سلطاني الذي ولد وعاش داخل الارض المحتلة في مقال نشره في صحيفة الغارديان إن "التهجير القسري، ومصادرة الأراضي، والوضع القانوني المتدني والسجن هي حقائق يتقاسمها جميع الفلسطينيين، سواء داخل إسرائيل أو في الأراضي المحتلة" ويضيف "إن احتجاجنا هو تأكيد على وحدة النضال ضد الاستعمار من أجل المساواة والحرية". اذن تلك هي المعادلة التي يجب ان يفهما العالم ان الصهيونية ترى في الصدام والقتل والترهيب ومصادرة الأملاك والاعتقال حلاً للعقدة المترسخة في اذهانهم وهي الانتقام .
اليهود عبر التاريخ لم يتركوا لأحد مجالاً كي يرحمهم فمجرد جردة بسيطة تجد ان جميع دول أوروبا طردتهم من بلدانها بسبب اعمالهم المشينة وسوء عملهم بل بعض دول اوربا طردتهم لثلاث مرات، وان الرسول الكريم (ص) عندما طردهم من يثرب تجمع المصادر على أن يهود المدينة المنورة سارعوا إلى نقض العهود وتدبير المؤامرات والمكائد، مما دفع نبي الإسلام محمد (ص) إلى اتخاذ قرار الإجلاء من الديار في حق من أمعنوا في التشويش على دعوته وتأليب الناس عليه، بل ومحاولة قتله، كما كان الحال مع بني النضير. أما حكم السيف فلم يصدر إلا عندما وجد المسلمون أنفسهم أمام “خيانة عظمى” من جانب بني قريظة.!
والسؤال: ما الذي يدفع شابة فلسطينية داخل الارض المحتلة ان تحمل سكينة المطبخ، وان تطعن جندياً صهيونياً، وهي تعلم ان الطعنة لا تميته، وسرعان ما يطلق عليها الرصاص وتقتل؟ الجواب لأنهم أهانوا كرامتها واسمعوها كلمات منفرة، وقتلوا اخوتها واعتدوا على والدها امامها او هدموا منزلهم امامهم. ان جميع الفلسطينيين الذين تركوا ارضهم كرهاً ما زالوا يحتفظون بمفاتيح الدار لانهم يعلمون ان العودة مكتوبة في ضمائرهم وفي صدورهم وارحام الامهات وقصيدة الشاعر وهدهدة الاطفال وفوق القباب والمنائر وعند زناد البندقية.
يقول الكاتب المصري طارق ابو السعد في مقال له بشأن التعايش بين الفلسطينيين والصهاينة"في ظل إصرار السلطات الإسرائيلية على التهجير القسري لسكان أحياء بعينها من المدن العربية المحتلة، والإصرار على تغيير التركيبة السكانية لصالح اليهود الإسرائيليين، ومصادرة الأراضي تحت مزاعم قانونية مجحفة تعطي البيت والأرض للآخرين، وفي ظل قانون دستوري يرى أنّ الاستيطان اليهودي هو قيمة عليا للدولة".
كيف يمكن تصور شكل التعايش بين الاثنين؟
لقد مضى على الاحتلال الصهيوني لارض فلسطين 75 عاماً، وما نراه من صراع وحرب وقتل وتهجير ومعارك يتمدد على هذه السنوات جميعها، القادة الصهاينة يشعرون بحرج الزمن فهم يعلمون ان سر احتلالهم وديمومة بقائهم مرهون بقوة الغرب وهيمنتهم على القرار الدولي، وهم باتوا يدركون ان هذا التفرد لم يعد ممكناً في ظل التحولات العالمية الجديدة، وان حضارة الغرب مصابة بالشيخوخة، لذا فهم الآن يسعون لإخراج جميع الفلسطينيين من ارض فلسطين عبر استخدام القوة والعنف والقتل والاعتقال والهدم ومصادرة الأملاك وغيرها والقصف والحرق والتنكيل كي يهرب الفلسطيني بنفسه خارج فلسطين وتبقى الارض وما عليها ملكاً لهم. هذا المشروع ضمن صفقة القرن بإيجاد ارض بديلة للفلسطينيبن وربما صحراء السماوة احد الخيارات.
لاشك ان الخلافات الداخلية بين الصهاينة اكبر من ان توصف فهم شتات دون هوية ويعيشون الضياع، فلم يكونوا جزءً من الشرق يوماً في التعايش، ولا جزءً من الغرب، ونعتقد انها أعوامهم الاخيرة ليعود كل الى حيث جاء. ثم علينا ان نتصور ان خارطة "اسرائيل" محاطة بصواريخ المقاومة من جميع الجهات وكفى بها شاهداً على نهايتهم.
الكاتب: محمود الهاشمي