بعد تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية في الفترة الأخيرة، في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ستجتمع اليوم الأحد، وفود من الولايات المتحدة الأمريكية والأردن ومصر، إلى جانب الكيان المؤقت والسلطة الفلسطينية، في مؤتمر أمني في مدينة العقبة في الأردن (تُطلق عليه أوساط كيان الاحتلال الإعلامية وصف القمة الأمنية الطارئة والاستثنائية)، بهدف وحيد: وأد المقاومة الفلسطينية، ووسيلة تحقيق ذلك: تطبيق خطة لمنسّق الشؤون الأمنية في السفارة الأميركية في تل أبيب الجنرال "مايكل فنزل".
فالإدارة الأمريكية لا تخفي خشيتها من اندلاع انتفاضة ثالثة، خاصةً خلال هذا الشهر والخشية من تصاعد عمليات المقاومة قبل وخلال شهر رمضان المبارك. وهذا ما عبّر عنه رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الـCIA "ويليام بيرنز"، بعيد لقاءاته بمسؤولين من السلطة الفلسطينية والكيان المؤقت، التي وصفها بالقلقة للغاية، مشبّهاً الوضع في الكيان اليوم، بالأحداث التي سبقت الانتفاضة الثانية، مشيراً إلى أن التشابه مثير للقلق.
وهذا ما عبّر عنه الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد على موقع واللاه، حينما قال بأن قمة العقبة تعتبر أول حدث سياسي دولي حول القضية الفلسطينية منذ عقد، وبأن "هناك تخوفات من انهيار السلطة الفلسطينية، والجميع يهرب من انتفاضة ثالثة، التي ستكون نهايتها فظيعة ومرعبة".
ولذلك سارعت الإدارة الأمريكية قبل قرار عقد هذه القمة الى إرسال موفديها، وعلى رأسهم وزير خارجيتها "أنتوني بلينكن"، الذي عرض على رئيس السلطة الفلسطينية محمد عباس خطّة "فنزل"، وبالتزامن أرسلت مصر والأردن رؤساء مخابراتهما إلى رام الله للقاء عباس، والتعبير له عن دعمهما للخطة الأمريكية. ولم يكتف بلينكن بعرض الخطة على عباس، بل أرفق ذلك بتهديد واضح: "إذا لم تتعاون مع الخطة الأمريكية، فسنبحث عن خطط بديلة وشخصيات أخرى ستتعاون معنا لتنفيذ خطتنا الأمنية". لذلك فالأكثر ترجيحاً أن حضور عباس القمة اليوم، هو فقط لتأمين غطاء علني من مصر والأردن للسير بالخطة الأمريكية، دون أي شرط مقابل منه، بل فقط مقابل وعد بتحقيق أمنية له بلقاء الرئيس الأمريكي "جوزيف بايدن"، وتحسين عوائد السلطة المالية من معير جسر اللنبي. وقد كشفت "القناة 14" الإسرائيلية بالأمس، عن قبول السلطة الفلسطينيّة بخطة فنزل.
فما هي خطة "فنزل"؟
1)إنشاء قوة أمنية فلسطينية خاصة بتمويل من الولايات المتحدة، مكوّنة من 5 آلاف عنصر يعملون حالياً في جهاز الأمن الوطني، والتي ستخضع للتدريب في قواعد بالأردن بإشراف أمريكي (وقد وافقت عمّان على ذلك)، وتعود إلى الضفة الغربية، وتتمركز في نابلس وجنين لمواجهة مجموعات المقاومة الجديدة التي ظهرت في المنطقة. وستعمل هذه القوة تحت إمرة غرفة عمليات، وسيشمل عملها المدن ومخيمات اللاجئين، بهدف القضاء على خلايا المقاومة فيها، وستكون عملياتها في شمال الضفة الغربية تحت إشراف الفريق الأمريكي.
2)مشاركة أمريكية في التنسيق الأمني، من خلال ممثلين كبار عنهم، سيحضرون اجتماعات المستويات العليا بين السلطة والكيان لعدة شهور، على أن يرسل الطرفان تقارير منتظمة لواشنطن حول التقدم في القضايا الأمنية العالقة ما بينهما.
3)تغيير طريقة السلطة في التعامل مع المقاومين، خاصةً خلال المرحلة الماضية، حيث حاولت فتح قنوات اتصال معهم لإقناعهم بالتخلي عن المقاومة والانضمام إلى الأمن مقابل حوافز مالية، وهو ما يتوجب وقفه في المرحلة الجديدة.
أهداف المؤتمر الأخرى
تسعى الإدارة الأمريكية أولاً الى تأمين الحماية لكيان الاحتلال، عبر إعادة عناصر السلطة، ليكونوا في الخط الأمامي للدفاع عن جيش الاحتلال، بمواجهة عناصر ومجموعات المقاومة، وبالتالي إعادة الأوضاع الأمنية إلى سابق عهدها، إلى ما قبل اندلاع موجة العمليات النوعية منذ معركة "سيف القدس". كما تسعى واشنطن لتهدئة هذه الساحة ومنعها من الاشتعال، وإلهاء الطرفين بالمفاوضات، كي تتفرغ لأولوياتها في مناطق أخرى في العالم، وبالتحديد في المواجهة مع روسيا والصين.
وفي هذا السياق، أعلن بلينكن عن إصداره تعليمات إلى مساعدته لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف والممثل الخاص لأمريكا للشؤون الفلسطينية هادي عمرو، بالبقاء في المنطقة لمناقشة "أفكار بناءة لخطوات عملية يمكن لكل جانب اتخاذها، لخفض درجة الحرارة، ولتعزيز تعاون أكبر، ولتعزيز أمن الناس".
"صفقة القرن" هي السبب في تصاعد عمليات المقاومة
ومن اللافت أن العديد من المحلّلين الإسرائيليين يعزون تصاعد عمليات المقاومة في الضفة والقدس المحتلة، إلى ما توصف بـ "صفقة القرن". فبنظرهم تصاعدت المقاومة في أعقاب خطوات اتخذتها حكومة نتنياهو وإدارة ترامب خلال العام 2020، أدت إلى إضعاف السلطة الفلسطينية وتعليق التنسيق الأمني مع كيان الاحتلال لعدة أشهر. ويرجعون ذلك أيضاً للأزمة الاقتصادية في السلطة الفلسطينية والفساد والاشمئزاز العام لدى الجمهور الفلسطيني من السلطة، الذي أدى إلى تراجع شرعية الأخيرة ودافع القوى الأمنية الفلسطينية لاستخدام سلطتها ضد المقاومين. فكانت النتيجة السيطرة على مدينة جنين من قبل فصائل ومجموعات مرتبطة بحركات الجهاد الإسلامي وحماس وفتح، لا تقبل بأوامر السلطة، وللسبب نفسه ظهرت لاحقاً مجموعة "عرين الأسود" في نابلس (كشفت إحصائية نشرها موقع Mako الإسرائيلي أن 72% من سكان الضفة الغربية يؤيدون هذه المجموعة). فأصبحت جنين ونابلس قاعدة لهجمات المقاومة ضد الجنود والمستوطنين في الضفة الغربية، وكذلك للهجمات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
الكاتب: غرفة التحرير