وصلت ثقة الأميركيين في الاقتصاد عند أدنى مستوى لها تقريبًا منذ ركود 2007-2009، بسبب القوة الشرائية التي ضربها التضخم، وسوق العمل الذي يعاني من الركود، وتراجع سوق الأسهم الذي يضر بالتمويلات المالية للمتقاعدين على وجه الخصوص. وتشير مؤسسة بيتر جي بيترسون الأميركية، المتخصصة بقضايا الاستدامة المالية المتعلقة بالعجز الفيدرالي، إلى ان كل مواطن في الولايات المتحدة، مَدين بحوالي 93 ألف دولار. وعلى الرغم من ان الحديث عن تراجع الاقتصاد الأميركي قد تصدر المؤشرات المالية والاحصائيات، إلا ان وصول حجم الدين إلى حوالي 3 تريليون دولار، خلال الأيام القليلة الماضية، أرخى بظلاله الثقيلة على الأسواق المالية، وجعل من الأمر أكثر تعقيداً.
على نحو أكثر من عقد، سجّلت صناعة السيارات أسوأ مبيعات لها. فيما انخفضت مبيعات المنازل إلى أدنى مستوى لها منذ 2014 مع ارتفاع معدلات الرهن العقاري. وانخفضت المشتريات في ثلاثة من الأشهر الأربعة الماضية. كان الإنفاق على الخدمات، بما في ذلك الإيجار ومعظم الفواتير، ثابتًا في كانون الأول/ ديسمبر، بعد تعديل التضخم. وهذا ما صنف بأنه تحوّل صارخ منذ النصف الثاني من عام 2020.
وبحسب كبيرة الاقتصاديين في نيشن وايد، فإن "آخر معاقل القوة هو سوق العمل، لكنني لا أعتقد أنه يمكنه الصمود أمام كل هذه المتغيرات". وتنقل الصحفية الأميركية، هارييت توري، في تقرير لها بعنوان "المستهلك الأمريكي بدأ ينفجر"، الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، عن مدير حسابات العملاء في مصنع صناعي مينيسوتا، قوله ان "إمكانية تسريح العمال هي جزء من الأزمة التي يجب أن أفكر فيها الآن...ماذا سيحدث إذا لم يعد لدي دخل؟".
وتشير توري، إلى ان هناك علامات على ضعف سوق العمل. يقوم أرباب العمل بتسريح العمال المؤقتين بمعدل سريع، والأشخاص الذين يفقدون وظائفهم يستغرقون وقتًا أطول للعثور على وظائف جديدة. في غضون ذلك، انخفض عدد ساعات العمل في الأسبوع لمدة شهرين متتاليين، وفقًا لوزارة العمل، مما أدى إلى تباطؤ رواتب العمال.
من جهة أخرى، فقد أدت الزيادة السريعة في أسعار الفائدة في العام الماضي، والمرتبطة بتشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي، إلى ارتفاع تكلفة جميع أنواع الديون. في حين وصلت معدلات الرهن العقاري إلى أعلى مستوى لها منذ 20 عامًا في الخريف الماضي. كان حوالي 57 ٪ من المستهلكين قلقين بشأن سداد مدفوعات الإسكان. بدأت الزيادات تدريجيًا في إبطاء إنفاق المستهلكين، على الرغم من أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت قبل أن تبدأ برؤية تأثير الانخفاض الفعلي بالقدرة الشرائية والانفاق على سلوك المستهلكين.
ويقول الاقتصاديون والمستثمرون والمديرون التنفيذيون إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يقود البلاد بلا داع إلى ما يمكن أن يكون ركوداً مؤلماً. اذ يتوقع المستوردون وشركات الشحن، انخفاضاً على الطلب في الأشهر المقبلة وهو ما جعلهم يتراجعون عن البدء بمشاريع جديدة. حيث انخفضت أحجام الواردات في موانئ لوس أنجلوس ولونج بيتش في كاليفورنيا بنسبة 20.1٪ في كانون الأول/ ديسمبر عن العام السابق، وكانت أقل من مستويات 2019 منذ آب/ أغسطس.
وتعد كل تلك العوامل، ملامح الركود الاقتصادي الذي بدأ يلوح بالأفق. اذ يتوقع الاقتصاديون في مسح أجرته وول ستريت جورنال أن فرص ركود الاقتصاد الأميركي هذا العام تصل لـ61%. فيما اعتبر الرئيس الأسبق للاحتياطي الفدرالي، ألان جرينسبان، أن الركود هو النتيجة الأكثر احتمالاً في ظل المسار الاقتصادي الحالي.
الكاتب: غرفة التحرير