حربٌ كبرى قليلًا ما يسمعُ لها دويّ تدور منذ حوالي 10 سنوات في منطقة غرب آسيا، بدأت تتصاعد إلى صراع أوسع من خلال إقحام أطراف أخرى. مع اقتراب الجمهورية الإسلامية أكثر من أي وقت مضى من امتلاك السلاح النووي بسبب حسابات الغرب وتأرجح الولايات المتحدة في موقفها من إيران، ومع تعاظم قوة وقدرة الحركات التحررية التي تدعمها إيران في المنطقة، يمكن ملاحظة تصاعد حرب الظلّ، أو ما يسمى المعركة بين الحروب، بين إيران والكيان المؤقت. ومع فشل السعودية في السيطرة على اليمن، تدخل الرياض كطرف فاعل تحت عنوان: "سنعمل على أن تكون المعركة لديهم في إيران".
الطلقة الأولى للمعركة بين الحروب
ليس ثمة بداية رسمية لـ "المعركة بين الحروب"، لكن يمكن القول إن الطلقة الأولى كانت من خلال سلاح إلكتروني، أطلقت عام 2010 مع نشر العدو الإسرائيلي لما لفايروس إلكتروني يسمى " Stuxnet worm"، أدى إلى أضرار في البرنامج النووي الإيراني، تمكّن بعدها الإيرانيون من تطوير ستاكسنت وشنّ هجمات مضادة من خلالها على الإسرائيليين. واستكملت حرب الظل من خلال الاغتيالات لكبار العلماء النوويين وشخصيات كانت تتمتع بملاذ في طهران، وكانت هذه العمليات تقام تحت عناوين مثل استراتيجية الألف طعنة ومن ثمّ استراتيجية الأخطبوط مؤخرًا التي أستخدمها رئيس الاحتلال الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت بهدف الحصول على تأييد أوسع في الكنيست. وقد وجهّت إيران الكثير من الضربات المؤلمة للسفن الإسرائيلية ضمن المعارك البحرية بينها وبين الكيان. أما خارج الأراضي الإيرانية، فقد استغل الكيان التواجد العسكري الإيراني في سوريا لتوجيه الضربات، وهي العمليات الأكثر شهرة للمعركة بين الحروب.
إقحام حلفاء الكيان المؤقت لتوجيه الضربات
سلسلة من الضربات التي حصلت في اليومين الماضيين بدأت بالهجوم المسلح على السفارة الأذربيجانية استغلتها باكو لتوجيه أصابع الاتهام للأمن الدبلوماسي في إيران، اللافت أنها جاءت في الوقت التي انتهت فيه الاحتجاجات التي استمرت طيلة أشهر بدعم خارجي عالمي وحرب تركيبية شارك فيها الجميع بما فيهم الكيان الإسرائيلي والسعودية والولايات المتحدة. وفي اليوم التالي لاستهداف السفارة، قالت إيران إن ضربةً بطائرة مسيرة استهدفت ورشة لوزارة الدفاع في أصفهان، كما ذكرت وسائل إعلام إيرانية بشكل منفصل أن حريقًا اندلع في مصفاة نفط بالقرب من تبريز بدت جميعًا قادمة من الشمال أي الإقليم الكردي حيث حزب كومالا والحزب الديموقراطي الكردستاني الذين تحركهما إسرائيل، ومن الأقاليم الآذرية التي احتوت مؤخرًا على مجموعات انفصالية موالية لأذربيجان صديقة إسرائيل. سارعت قنوات غير رسمية إيرانية لاتهام الاسرائيليين وجاء في الإعلان: "انتظروا طائرات مسيرة تضرب ناقلات النفط الصهيونية".
تتلبد السماء في فلسطين وتمطر في إيران
الواقع أنه في السنوات الماضية كلما حصل الكيان على معلومات استخبارية بشأن تسليح في الضفة أو تنسيق في غزة، أو حتى عمليات فردية في الداخل الفلسطيني، يتحرك إما في سوريا وإما في الداخل الإيراني. كشفت صور الأقمار الصناعية من فبراير/ شباط 2022 عن تدمير قاعدة طائرات بدون طيار في غرب إيران، اعتبِرت ردا على محاولة تسليم أسلحة إلى الضفة الغربية وغزة بواسطة طائرات بدون طيار. وبعد أربعة أسابيع، أطلقت طهران صواريخ على مجمع في أربيل بالعراق يستخدمه الكيان.
وضمن الأحداث التي تحصل اليوم في الداخل المحتل، يجري الحديث أن هذه العمليات التي تحصل في الداخل الإيراني هي ردّ إسرائيلي على الدور الإيراني الداعم والمحرّض لتصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية.
استراتيجية محدودة
على الرغم من السنوات الطويلة لمحاولة إسرائيل لاستنزاف إيران من الداخل، إلا أن ما يبدو من استراتيجية المعركة بين الحروب أنها استراتيجية محدودة، لا تزال الأسئلة مطروحة حول قابليتها للتطبيق على المدى الطويل، كوسيلة للتصدي لتهديدات إيران. كما لا يمكن تجاهل الأخطار التي يمكن أن تحصل نتيجة تجاوز قواعد الاشتباك، والانزلاق إلى تصعيد سيتضرر منه الكيان الإسرائيلي أكثر من إيران. خاصة بوجود الأسلحة الدقيقة الموجهة من جنوب لبنان، كما أنه لا أحد يريد حربًا موسعة في المنطقة اليوم ولا حتى السعودية.
الكاتب: زينب عقيل