كانت الجالية الكردية في فرنسا، مرة جديدة، هدفاً لأعمال العنف. ولطالما كانت هذه الهجمات التي تسجّل في غالبيتها، بدوافع "العنصرية والكراهية"، تتسبب بأزمة دبلوماسية بين كل من فرنسا وتركيا، حيث تعتبر الأخيرة ان استضافة باريس "للجماعات الإرهابية الانفصالية"، يزيد من خطر حدوث توترات أمنية على أراضيها.
في 9 كانون الثاني/ 2013، اغتيل 3 اكراد من حزب العمال الكردستاني. وولّدت هذه الحادثة، جوّاً من الحذر المخيف لدى الأكراد في باريس، حتى جاءت الحادثة الأخيرة، لتترجم ردة الفعل الأولى لهؤلاء، بالصراخ بعيد ثوان من إطلاق النار، ثم مخاطبة الشرطة: "إنها تبدأ من جديد، أنت لا تحمينا، إنهم يقتلوننا!". وإذا كانت التحقيقات التي أوردتها وسائل اعلام فرنسية، قد افضت إلى "تورط عناصر المخابرات التركية في عملية إطلاق النار"، عام 2013، ثم ملاحقة من قام "بالاغتيال السياسي"، ارتأت السلطات الفرنسية اختيار "العنصرية" كدافع وراء اقدام المواطن الفرنسي على قتل الأكراد هذه المرة.
وهو ما ظهر بوضوح في تصريحات المتحدث باسم المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا، أجيت بولات، الذي صرّح بأن "الوضع السياسي في تركيا فيما يتعلق بالحركة الكردية يدفعنا بشكل واضح إلى الاعتقاد بأن هذه اغتيالات سياسية... المجلس يعتقد أن أردوغان والدولة التركية يقفان وراء هذه الاغتيالات".
يبلغ عدد الأكراد في حوالي 150 ألف شخص، أتى معظمهم من تركيا بعد عام 1965. ووفق التقديرات غير الرسمية، يشكل هؤلاء، حوالي 0.2% من إجمالي السكان البالغ عددهم 68 مليون. فيما وصل القسم الآخر من العراق في بداية التسعينات عقب العمليات التي شنها ضدهم نظام صدام حسين، وأشهرها التي عرفت باسم "حملة الأنفال" عام 1988.
في حين ان تراكم عدد من الأحداث هيّأ الظروف المواتية لانتقال الأكراد إلى الدول الأوروبية، خاصة فرنسا: اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والانقلاب العسكري في تركيا، 1980، ثم الحرب المفروضة (بين ايران والعراق)، في حين كان وصول رجب طيب اردوغان إلى رئاسة الوزراء عام 2003، عاملاً اساساً في مغادرة عدد كبير من الاكراد لتلك المنطقة، بعد تعرضهم للملاحقة الممنهجة، خاصة لأولئك الذي ينتمون لحزب العمال الكردستاني.
يعتبر استقبال اللاجئين السياسيين الأكراد أحد أهم نقاط الخلاف بين الدول الأوروبية وأنقرة. في 16 أيار/ مايو 2022، أعلن أردوغان أنه قد يستخدم حق النقض ضد السويد وفنلندا في عضوية منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في هذه الشروط: "كيف يمكننا أن نثق؟... ليس لدى أي من هذه البلدان موقف واضح تجاه المنظمات الإرهابية. يجلبون الإرهابيين إلى برلمانهم ويسمحون لهم بالتحدث".
لا ترتبط أهمية الأكراد بالنسبة لفرنسا، بعددهم. بل ان استخدام باريس للأكراد كورقة ضغط في إطار التنافس الشديد والمتصاعد مع أنقرة، يجعل من تقديم الدعم الفرنسي السياسية والمالي والإعلامي للمعارضة الكردية داخل الأراضي التركية وعلى الأراضي الفرنسية، أمراً مفهوم الأبعاد والحيثيات.
من جهة أخرى، لم تخف فرنسا علاقتها مع إقليم كردستان العراق. حيث استقبل وزير خارجيها، برنار كوشنير، رئيس منطقة الحكم الذاتي لكردستان، مسعود بارزاني عام 2010، بهدف الاتفاق على تطوير العلاقات وزيادة التنسيق فيما بينهما.
وتقول الصحفية الكردية، نادية بوشني، القوات الخاصة الفرنسية تتعاون بشكل وثيق مع الوحدات القتالية الكردية، والتي غالبًا ما تعتبرها تركيا على أنها تعتمد بشكل مباشر على حزب العمال الكردستاني. من جانبها، اتهمت فرنسا تركيا منذ فترة طويلة بالتواطؤ مع الجماعات الجهادية في المنطقة.
تلى الهجوم الذي حدث عام 2013، سلسلة من الاعتداءات. في نيسان/ أبريل عام 2021، تعرض 4 أشخاص من أصل كردي لهجوم بقضبان حديدية في مبنى جمعية في ليون، خلال تحرك نسبه الضحايا إلى جماعة غراي وولفز التركية القومية المتطرفة. عُرفت حركة الذئاب الرمادية، التي تم حلها في عام 2020 من قبل الحكومة الفرنسية، بتحريضها على "التمييز والكراهية". كان مقرباً بشكل خاص من الرئيس رجب طيب أردوغان. في حين، ان ما يزيد الوضع سوءاً، ان هذا الهجوم لن يكون الأخير، في ظل تجمع عدد من العوامل: الإصرار الفرنسي على استغلال الورقة الكردية لابتزاز تركيا وبالتالي تقديم الدعم السياسي والمالي والإعلامي لهم. والإصرار التركي على نبذ الأكراد بطريقة عدائية، صعود اليمين المتطرف في فرنسا، والأزمة الاقتصادية والسياسية في كلا البلدين.
الكاتب: غرفة التحرير