من المبكر الحديث، بأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قد اكتملت دروسها العسكرية، أو أنها كشفت كل أسرارها وخفاياها. لكن بات من الممكن حتى الآن استخلاص بعض الدروس والتجارب، التي تبين جزءًا مهماً عن ملامح ومكونات الصراعات العسكرية المستقبلية، والتي بالتأكيد سيعمد المنظّرون العسكريون الاستراتيجيون والخبراء، الى دراستها بشكل مفصل لاستخلاص النتائج وابتكار النظريات.
أبرز الدروس
_ من أبرز وأهم الأهداف التي يجب استهدافها في البداية، هي مواقع وآليات الدفاع الجوي. وهذا ما فعلته روسيا، حينما قامت بتوجيه ضربات دقيقة لحوالي 75٪ من مواقع الدفاع الجوي الثابتة التابعة للقوات الأوكرانية، خلال أول 48 ساعة من الحرب.
ويخلص تقرير أعده مركز "روسي – RUSI" البريطاني، إلى أنه "لا يوجد ملاذ في الحرب الحديثة"، كما "يمكن للعدو أن يضرب في عمق العمليات" أي خلف الخطوط الأمامية الافتراضية.
وهذا ما تستطيع حركات ودول المقاومة تحقيقه، بفضل ما تمتلكه من صواريخ وطائرات بدون طيار.
_ عمليات التمويه غير كافية بل الأهمية للتحصينات: فقد باتت الجيوش بمختلف أنواعها تمتلك أنواعاً مختلفة من المنظومات والمستشعرات التي تستطيع كشف الأهداف المعادية، والحل هو باستخدام الهياكل الصلبة الخرسانية والمخابئ وحتى بالخنادق والأنفاق، بالإضافة الى تفريق القوى البشرية والمعدات والآليات ونشرها على أوسع نطاق، والتحرك بسرعة أكبر مما يستطيع العدو رصد واكتشافهم. حتى أن الجيش الروسي استطاع رصد واستهداف القوات الخاصة الأوكرانية، التي تعمل بشكل أساسي في فرق صغيرة.
_ الأهمية الميدانية الكبرى هي للقدرات المدفعية: فهذه القدرات تتيح لك إنتاج قوة نارية هائلة دون الحاجة لأن تمتلك عنصر تفوق جوي، كالذي يمتلكه المعسكر الغربي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالرغم من أن أوكرانيا كانت تمتلك ترسانة مدفعية هائلة، بأكثر من 1000 مدفع هاوتزر و1680 قاذفة صواريخ متعددة (كانت تشكل أكثر مما تمتلكه بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا مجتمعة، وكانت تعد أكبر قوة مدفعية في أوروبا بعد روسيا). إلا أنها واجهت بعد أسابيع قليلة من بدء العملية، نفاذاً في الذخيرة والقذائف، والذي لا يمكنها تعويضه من المعسكر الغربي لاختلاف أنواع المنظومات.
وهذا ما أعطى الجيش الروسي ميزة 10 إلى 1 على صعيد المدفعية، ومن اللافت أن اللواء الروسي النموذجي يتزود بـ 54 قطعة مدفعية - أي ثلاثة أضعاف ما يجهز به اللواء الأمريكي.
_لعبت الطائرات بدون طيار دوراً حيوياً بالنسبة لروسيا، على صعيد الاستهداف الدقيق والمماثل بالنتيجة لكافة أنواع الصواريخ (التي تكون كلفتها أعلى بكثير من الطائرات بدون طيار)، كما أن نسبة اعتراضها واسقاطها تكون منخفضة بشكل كبير لبصمتها الحرارية والرادارية المنخفضة.
لذلك فإن الدرس الأساسي المستفاد من هذه العملية، هو أن الجيوش أو القوى العسكرية تحتاج إلى طائرات بدون طيار أكثر مما كان يعتقد قبل العملية، وخاصةً تلك التي تعتمد على الأنظمة الرخيصة والبسيطة، والتي يمكن التعامل معها على أنها انتحارية، بدلاً من الأساطيل الصغيرة من الطائرات بدون طيار الكبيرة والمكلفة. وهذا ما عبّر عنه بوضوح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام كبار جنرالاته العسكريين اليوم الأربعاء، حينما أكدّ بأنه لا بد من تحديث آليات الجيش الروسي الهجومية والعمل على تطوير عمل منظومة الطائرات المسيرة وتكاملها مع الهيئات الاستخبارية العسكرية. كما يستفاد من طائرات الدرون الصغيرة في توجيه فرق المشاة والمدفعية.
الكاتب: علي نور الدين