اللقاء الذي حصل مؤخرا -وسُرب حصوله الى الاعلام- بين قائد الجيش اللبناني جوزيف عون ورئيس لجنة التنسيق والارتباط في حزب الله الحاج وفيق صفا، بالتأكيد لم يكن الأول من نوعه بل ربما يكون عادياً ودورياً بين الرجلين، او بين الجهتين أي قيادة الجيش وحزب الله، إلا ان الأجواء السياسية الحسّاسة التي يمر بها لبنان دفعت الى طرح تساؤلات حول مضمون ما جرى خلال اللقاء او ارتباطه بالاستحقاق الرئاسي.
ولا شك انه يصعب تبيان ما حصل بالكامل داخل اللقاء المغلق بين الرجلين، خاصة ان المسائل الأمنية هي المحور الدائم في مثل هذه اللقاءات، ولا سيما ما يرتبط منها بالتنسيق بين المقاومة والجيش اللبناني، كما ان المطلع على توزيع المهام في قيادة حزب الله يدرك ان الملفات السياسية ليست من اختصاص الحاج وفيق صفا بشكل أساسي، وإن كان يتدخل ويحضر في بعض اللقاءات مع شخصيات او جهات معينة.
لكن من يؤكد ان ملف الاستحقاق الرئاسي لم يطرح خلال لقاء صفا-عون؟ وهل بالامكان نفي حصوله؟ خاصة ان قائد الجيش بات اسماً متداولاً في المباحثات لانتخاب رئيس للجمهورية جراء عدم التوافق حتى الساعة على اسم يحظى بقبول مختلف القوى السياسية والكتل النيابية ليكون الرئيس العتيد.
بالتأكيد لا أحد يقدر ان يجزم بعدم طرح الموضوع في اللقاء بين صفا وعون، بل ان الترجيحات قد تصب بخانة إمكانية حصول ذلك، لو أراد حزب الله فتح موضوع رئاسة الجمهورية مع قائد الجيش، خاصة ان الحزب عليه دائما التحضير لخطط بديلة فيما لو تعثر إتمام الخيار الاول له بإيصال اسم معين لرئاسة الجمهورية، فمن الواضح ان الشخصيات المسيحية المارونية في قوى "8 آذار" لم تتفق حتى الساعة على اسم واحد لايصاله لسدة الرئاسة الاولى، وبالتالي قد يتم الانتقال الى البحث في أسماء "وسطية" لإبرام تسوية في لحظة ما للوصول الى خاتمة سعيدة بالملف الرئاسي، وقد يكون قائد الجيش اللبناني أحد هذه الاسماء المطروحة.
التطورات التي تحصل في لبنان قد تعطي مؤشرات ان مثل هذا التواصل بين حزب الله والعماد جوزيف عون إن لم يحصل سابقاً حول الملف الرئاسي، إلا انه بالامكان حصوله لاحقا خاصة بعد ان بدأ رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل التمايز عن حزب الله، وما قضية مشاركة وزراء الحزب في جلسة الحكومة المستقيلة الاخيرة إلا فرصة لباسيل لاظهار هذا التمايز لكن دون السماح بانهيار تفاهم مار مخايل لاهميته بالنسبة له فهو يدرك ان اهتمام القطري والفرنسي والاميركي بالحديث معه ما هو الا نتيجة هذا التفاهم وعلاقته بحزب الله، بالاضافة الى علاقة شخصية ودية تربط الرئيس عون بسماحة السيد نصر الله، وكذلك باسيل الذي سعى لامتصاص غضب جمهور المقاومة بسبب ما جاء في مؤتمره الأخير حيث أوضح في مقابلة تلفزيونية ان “شخص السيد حسن له مكانة خاصة في عقلي وقلبي وافكر به بشكل مختلف عن كل الناس في السياسة في لبنان”، وقال “اذا وضعنا جانباً الجنرال عون .. السيد حسن هو عندي غير كل الناس”. وأكد النائب باسيل انه” يجب حماية المقاومة لحماية الدولة، وانها اي المقاومة جزء من المشروع”، مشيراً بالقول: “نريد رئيسا يحمي الدولة ويحمي الشراكة في الدولة ويحمي المقاومة”، ومؤكداً “لا يحاول احد تحوير ما قلته انني قلته عن امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وتحديدا في موضوع عقد جلسات الحكومة لم يحصل الاتفاق مع السيد نصرالله شخصيا، وبالصادقين قصدت حزب الله”.
وبالسياق، قالت مصادر إعلامية قريبة من حزب الله إن "العماد جوزيف عون قد يكون خياراً مطروحاً خاصة اذا ما فشل طرح وصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية بفعل معارضة النائب باسيل"، واشارت الى ان "قائد الجيش اللبناني صحيح انه ينفتح على الاميركيين ولديه تواصله القوي معهم، إلا انه مضطر للتعامل معهم"، ولفتت الى انه "على سبيل المثال: السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا منذ وصولها الى بيروت قد تكون التقت سليمان فرنجية اكثر من العماد عون، فالادارة الاميركية تتواصل مع الكثير من الشخصيات والجهات السياسية ومنها حلفاء للمقاومة، والامر لا يقتصر على جوزيف عون".
وأضافت المصادر "كما ان التعامل والتعاون بين الجيش وحزب الله هو أمر واقع ولا يمكن ان يرفضه او يغيره قائد الجيش لوحده"، واكدت ان "التعاون بين حزب الله والجيش اللبناني في ظل قيادته الحالية قائم وفي العديد من الملفات"، وتابعت "من هنا فإن إمكانية السير بالعماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية قد يكون طرحاً جدياً كحل وسط بين مختلف الاطراف، خاصة اذا ما استطاع تقديم ضمانات للمقاومة في مسائل معينة تحت سقف الشروط التي حددها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بضرورة وصول رئيس لا يخاف ولا يطعن المقاومة في الظهر ولا يبيع ولا يشتري...".
باسيل بدوره، ولأنه لن يفوت أي وسيلة اوفرصة لمنع الوزير فرنجية من الوصول الى بعبدا قد يلجأ لتسمية قائد الجيش للرئاسة، حسب المصادر، ومع ان الاخير لم يظهر حتى الساعة علناً اهتمامه او ترشحه للرئاسة، الا ان فريقاً إعلامياً نشطاً يعمل على التسويق لجوزيف عون هو جوني منير، وجان عزيز، ومحمد عبيد، فضلاً عن عدد غير مسبوق من الاعلاميين والصحفيين، فيما يبدو ان أطرافاً اقليمية ودولية ترى ضرورة الوصول الى توافق حول الرئيس قبل نهاية هذا الشتاء، فهل يكون قائد الجيش مرشح المرحلة؟ وهل يستطيع الداخل التوافق دون تدخل خارجي مباشر وحاسم؟
الكاتب: غرفة التحرير