في فترات الانتخابات الإسرائيلية تتحوّل العديد من الملفات الداخلية والخارجية الى ساحة تنافس بين اليمين واليسار، ومن بين هذه الملفات التوسّع الاستيطاني في القدس والضفة الغربية المحتلّة. ويعتبر هذا الملف على رأس أولويات اليمين المتطرف الذي حصل بعد الانتخابات بدورتها الخامسة على الأكثرية (64 مقعداً) في "الكنيست" الخامس والعشرين، ما يعني أنه سيشكّل حكومة متطرفة ستسعى نحو مزيد من التصديق على خطط الاستيطان وبناء المزيد من الوحدات على كامل مساحات القدس والضفة.
ستتضمن الحكومة الجديدة زعماء الأحزاب الصهيونية الدينية المتطرفة المعروفين بالسياسة العدائية المتشدّدة ضد الشعب الفلسطيني وهم من خريجي الحركات المتطرفة التي صنّفت دولياً بالإرهابية مثل منظمة "باخ". ومن بين هذه الشخصيات، ايتمار بن غفير الذي يطالب بوزارة الأمن الداخلي في الحكومة الجديدة. بالإضافة الى بتسلائيل سموتريتش الذي بنى حملته الانتخابية على "الوعود" بالعمل من أجل الاستيطان في الضفة الغربية.
وقد حصلت الأحزاب الصهيونية، لأول مرّة، على 14 مقعداً في "الكنيست" الجديد، الى جانب حزب "ساش" (الحريدي المتطرّف) الذي حصل على 8 مقاعد وغيره من الأحزاب الدينية، وقد علّق الاعلام العبري أن تصاعد اليمين المتطرّف سيعقّد الأمور على رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو الذي ينتظر حسم التحالفات وتشكيل الحكومة الجديدة، فهو لن يستطيع كبح جماح هذه القوة التي خلقها"(القوة اليمينية).
نتنياهو وقّع على دعم الاستيطان اذ تم انتخابه
لكن نتنياهو نفسه ليس بعيداً بدوره عن مخططات التوسّع الاستيطاني، فقد ذكر رئيس مجلس "شمرون" الإقليمي الاستيطاني يوسي داغان، حسب ما نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية أن "نتنياهو وقّع، الى جانب 56 سياسياً، على إعلان "حركة السيادة الإسرائيلية" لدعم عملية ضخمة لبناء المساكن بمستوطنات الضفة الغربية في حال انتخابه"، وزعم "داغان" أنه سيتم جلب ملايين اليهود إلى يهودا والسامرة" (القدس والضفة) التي يستوطن فيها حالياً أقل من نصف مليون مستوطن تحت حراسة وتسهيلات جيش الاحتلال وتنشر بينهم العصابات الإرهابية المتطرفة.
كذلك، فإن لدى نتنياهو خططاً استيطانية ممنهجة تمتدّ على مساحات من القدس المحتلّة تحديداً لتطويها وتطويق الأحياء الفلسطينية وتحقيق تفوّق ديموغرافي يهودي على الشعب الفلسطيني في إطار الاعتراف بالقدس كاملة "عاصمة" للكيان المؤقت. وذلك أيضاً ما جاء في ما يسمى "صفقة القرن" التي زعم فيها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب السيطرة الإسرائيلية على شقي القدس الغربي والشرقي أيام حكومة نتنياهو في العام 2020.
المقاومة والتفوق الديموغرافي الفلسطيني: تهديد مخططات الاحتلال
الا أنه في الوقت الحالي، تشهد نسبة اليهود في القدس المحتلّة تراجعاً منذ سنوات، فقد تراجعت هذه النسبة من 46% في العام 1996 الى 39% هذا العام في القدس الشرقية التي يدعي الاحتلال السيطرة الكاملة عليها بعد عزلها وتقسيمها عن القدس الغربية التي تتولى إدارتها السلطة الفلسطينية.
وكان المعلّق في صحيفة "هآرتس" اللواء عاموس جلعاد أن "نسبة اليهود في القدس تتراجع" معتبراً ان المقاومة الفلسطينية ليست بحاجة لإطلاق صواريخ ما دامت الأهداف الاستراتيجية تتحقّق دون ذلك، فتأثير الصراع الديموغرافي أقوى من القنبلة النووية". مع تنامي المقاومة في هذه المناطق، ووضع الضفة التي بات أشبه بانتفاضة ثالثة مع استمرار العمليات اليومية ضد الجنود والمستوطنين الى جانب الوعي الفلسطيني المطّرد، فإن تمدد المشاريع الاستيطانية سيكون في دائرة الخطر.
إن عدم قدرة جلب المستوطنين وإقناعهم – مع وجود تهديد المقاومة الذي يسلب أمنهم - بالبقاء في مناطق القدس والضفة الغربية سيشكّل إشكالية مهمة في "مستقبل" الكيان المؤقت في فلسطين المحتلّة، لذا يعتبر التوسّع الاستيطاني، إحدى تحديات الحكومات الإسرائيلية وتحديات حكومة نتنياهو الجديدة. وسيكون دور المقاومة الأساسي هو الدفع نحو الاشتباك اليومي لإسقاط مخططات ضمّ مزيد من الأراضي وفرض السيطرة الإسرائيلية على القدس المحتلّة وتهويدها.
الكاتب: مروة ناصر