في وقت قياسي وبفعل كثافة عملياتها في الضفة والترابط الذي أوجدته مع القدس المحتلّة كما التأثير الشعبي الواسع، استطاعت "عرين الأسود" أن تشكّل تهديداً حقيقياً بل وجودياً للاحتلال على المدى الطويل. وفي هذا السياق أشار الكاتب اليهودي دكتور ميخائيل ميلشتاين في موقع القناة "12" العبرية الى أن عرين الأسود "اقتحم الوعي منذ أكثر من شهر بقليل، إنه تهديد أمني، ولكنه في الوقت نفسه أيضاً مقدمة لخطوات عميقة في النظام الفلسطيني، وقبل كل شيء هو التأثير المتزايد للجيل الفلسطيني الشاب الذي يتمتع بخصائص فريدة".
المقال المترجم:
قبل دقائق من تقديره أن حياته تقترب من نهايتها، أرسل سلمان عمران، أحد قادة منظمة “عرين الأسود”، رسالة صوتية “أشعلت الشبكات الفلسطينية. في الرسالة التي بعث بها من داخل منزل تحصن فيه قبل أسبوعين في قرية دير الحطب بالقرب من نابلس شجع عمران الشبان الفلسطينيين على اتباع طريق النضال، وأوضح أنهم يواجهون احتلالاً مزدوجاً: إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
عمران الذي نفذ عدة هجمات (عمليات مقاومة) في منطقة نابلس سلم نفسه في النهاية لقوات الجيش الإسرائيلي، لكن الجهة أو التنظيم الذي ينتمي إليه آخذ في النمو والتوسع، وهو حالياً أحد أخطر التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل على الساحة الفلسطينية.
"عرين الأسود" هو مفهوم جديد في كل من قاموس المصطلحات الإسرائيلية والفلسطينية، وقد اقتحم الوعي منذ أكثر من شهر بقليل، إنه تهديد أمني، ولكنه في الوقت نفسه أيضاً مقدمة لخطوات عميقة في النظام الفلسطيني، وقبل كل شيء هو التأثير المتزايد للجيل الفلسطيني الشاب الذي يتمتع بخصائص فريدة.
و"عرين الأسود" مجموعة نشطة في مدينة نابلس (خاصة في منطقة حي القصبة) لكن لها نظراء منظمين أقل حجماً وعلى نطاق أضيق مثل "كتيبة جنين" التي تعمل في مخيم جنين للاجئين.
نحن نتحدث هنا عن منطقة ذات تاريخ طويل من التمرد ضد جميع أنواع السيادة – من العهد العثماني مروراً بالانتداب البريطاني إلى الحكم الإسرائيلي – حيث لم تكن قبضة السلطة فيها قوية كما هي في أجزاء أخرى من الضفة الغربية.
يظهر تحليل صور أو شكل نشطاء "عرين الأسود" عدة خطوط بارزة، وُلِد معظمهم في حوالي عام 2000 (مما يعني أنهم يتذكرون الانتفاضة الثانية بطريقة محدودة نسبياً والراسخة في أذهان جيل آبائهم وتشكل عائقا أمام الترويج لنضال آخر واسع النطاق ضد إسرائيل.
هؤلاء هم الشباب الذين كانوا قبل 7 سنوات في طليعة انتفاضة السكاكين والآن عندما كبروا فإنهم تطوروا: إنهم يحملون أسلحة نارية ويشكلون منظمات محلية على أساس المعرفة الشخصية.
ومن السمات البارزة الأخرى لـ "عرين الأسود" وأمثاله عدم الانتماء إلى أي كيان رسمي أو مؤسساتي، أن النشطاء يظهرون الازدراء للسلطة الفلسطينية، التي ينظر إليها على أنها تنفذ التعليمات الإسرائيلية. هناك علاقة ضعيفة إلى حد ما مع عناصر ميدانية من فتح؛ وهناك ضحالة أيديولوجية تم التعبير عنها بشكل بارز في الرسائل ومقاطع الفيديو التي وزعتها المنظمة والتي يبرز فيها سوياً شعار المسجد الأقصى والبندقية وخريطة فلسطين، ولا يصاحبها أي عقيدة أيديولوجية.
الشبكة الاجتماعية هي مساحة تواجد لـ "عرين الأسود"
على الرغم من أن المنظمة لا تضم سوى بضع عشرات من الأعضاء، إلا أنها تتمتع بصدى واسع في النظام الفلسطيني وخاصة بين الشباب، هذا بسبب حضورها العميق في الفضاء على الإنترنت المليء بمقاطع فيديو Tiktok التي يتم فيها عرض الهجمات المسلحة التي ينفذها أعضاء التنظيم أو المجموعة وعلى رأسهم ابراهيم نابلسي، الذي قُتل في مواجهة في بداية شهر آب / أغسطس ويعتبر أحد مؤسسي "عرين الأسود".
مثل عدد غير قليل من أعضاء التنظيم كان للنابلسي أيضاً صلة عامة بفتح، فهو ابن ضابط في جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية، ونشأ على أجنحة مجد "شهداء" آخرين من بين عائلته أو مكان سكنه.
التهديد العسكري المتجسد فيها لا يرقى إلى مستوى مواجهات الماضي، ومن تلك التي في الانتفاضة الثانية من خلال البنى التحتية للإرهاب المنظم (المقاومة المنظمة) ؛ فالأغلبية المطلقة من الجمهور الفلسطيني لا تشارك في النضال، ويفضل بشكل عام الحفاظ على النسيج المستقر للحياة المدنية؛ فالنضال نفسه في معظمه يتركز في منطقة شمال الضفة، بينما في أجزاء أخرى من الضفة الغربية وخاصة في مناطق الخليل وبيت لحم يتم الحفاظ على الهدوء والاستقرار النسبيين؛ والآن كما ذكرنا، العدو هو مجموعة من المنظمات أو الشباب الذين يعملون بشكل مستقل وليس منظمات مؤسسة أو هرمية.
إن استمرار نشاط "عرين الأسود" يجسد ثلاث تهديدات رئيسية:
الأول: بالطبع الهجمات المستمرة على قوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين الإسرائيليين في شمال الضفة الغربية.
الثاني: هو التقليد المحتمل في أماكن أخرى في الضفة الغربية من قبل الشباب الذين يتوقون أيضاً إلى النشاط غير المؤسسي أو المنظم، وهو الشيء الذي سيعزز من التهديد الأمني على إسرائيل، لكنه سيقوض مكانة السلطة المهتزة أصلاً.
والخطر الثالث: والأخطر على الإطلاق هو احتمال أن ترعى حماس هذه المنظمات وتزودها بالمساعدات المالية واللوجستية والعسكرية وتوجه أنشطتها، وهذا سيسمح مرة أخرى لحماس بالترويج للإرهاب والتحريض في الضفة الغربية مع الحفاظ على الهدوء والاستقرار الاقتصادي في قطاع غزة، وهو ما يشكل في الواقع فرضاً على إسرائيل للتفريق أو التمييز بين المنطقتين.
إسرائيل في مأزق استراتيجي في ظل التصعيد في إسرائيل، وعلى الرغم من الواقع السياسي الحساس عشية الانتخابات يبدو أن الحاجة إلى عملية واسعة النطاق نسبياً في شمال الضفة الغربية للقضاء على البنية التحتية الإرهابية (المقاومة) التي تتعزز هناك تزداد.
المصدر: القناة 12
الكاتب: ميخائيل ميلشتاين