أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن استراتيجية الأمن القومي، بعد تأجيلها لأشهر، بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ويلزم القانون الرئيس، بإرسال وثيقة الـ (NSS) سنوياً إلى الكونغرس من أجل توصيل رؤية السلطة التنفيذية بما يتعلق بالأمن القومي إلى السلطة التشريعية، بموجب المادة 603 من قانون إعادة تنظيم وزارة الدفاع لعام 1986.
وعلى الرغم من تأزم العلاقات مع السعودية، و"المطالبة بمعاقبتها"، لم تأت الاستراتيجية - 48 صفحة-، على ذكر الأخيرة ولو لمرة واحدة. وفيما كان بايدن قد أكد خلال خطابه الأول في 5 شباط/ فبراير عام 2021، ان "أميركا قد عادت بعدما سئم العالم من فوضى وأسلوب الرئيس السابق دونالد ترامب" يتجه في استراتيجيته الموضوعة إلى حقن الساحة الدولية بمزيد من الأزمات، اذ زعم بأنه " في أنحاء العالم، الحاجة إلى القيادة الأمريكية كبيرة كما كانت في أي وقت مضى.. نحن في خضم منافسة استراتيجية لتشكيل مستقبل النظام الدولي".
الحرب الباردة انتهت
ويقول بايدن عن المرحلة المقبلة، بأنها"العقد الحاسم لتعزيز المصالح الحيوية لأمريكا". فيما تكمن المشكلة الأكثر إلحاحًا، وفقًا للاستراتيجية هي "القوى التي تضع الحكم الاستبدادي مع السياسة الخارجية التحريفية"، ملمّحاً إلى الصين وروسيا.
وأعلنت الإدارة في الاستراتيجية أن الصين "هي المنافس الوحيد الذي لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولي، وبشكل متزايد، بناء القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك". للفوز بهذه المنافسة، تقول إدارة بايدن إنها "ستساعد البلدان على تلبية احتياجاتها دون المعاملة بالمثل التي تتوقعها الصين عادةً، والعمل على الحفاظ على السلام بين الصين وتايوان، ومواءمة نهج دبلوماسي تجاه الصين مع الحلفاء".
أما بالنسبة لروسيا فإن الولايات المتحدة "ستشرع في معاقبة البلاد على غزو أوكرانيا. ولكن، تمامًا كما هو الحال مع الصين، فإن إدارة بايدن منفتحة للعمل مع روسيا في المجالات التي يمكن أن تكون فيها الشراكة "مفيدة للطرفين".
تعكس لغة الوثيقة الجديدة، صدى استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب، والتي أكدت على "عودة المنافسة بين القوى العظمى"، والنسخة الثانية من عهد أوباما، والتي شددت على الحاجة إلى تنشيط الديمقراطية في الداخل مع الشراكة مع الحلفاء بشأن القضايا العالمية. وتقول صحيفة بوليتكو ان ذلك يبدو منطقيّاً، فقد تحدث بايدن وسوليفان ووزير الخارجية أنطوني بلينكين مرارًا وتكرارًا في كل من المصطلحات الترامبية والأوبامية حول الشؤون العالمية، وأحيانًا في نفس الجملة".
تستهدف الاستراتيجية شبكة من المشكلات التي تحتاج وقتاً طويلاً وشركاء استراتيجيين قادرين على تحمل عبء الالتزامات العالمية في لحظة اقتصادية دولية صعبة ترتكز بأساسها على أزمة الطاقة الحالية. اذ انها تخطط للعمل في وقت واحد مع الصين وروسيا والحلفاء للحد من الأوبئة وإبطاء تغير المناخ وتعزيز أمن الغذاء والطاقة. فالطريقة التي تأمل بها الإدارة في الانفصال عن نموذج الحرب الباردة المتمثل في "معنا أو ضدنا" حتى في عصر جديد من التنافس بين القوى العظمى، تعتقد الإدارة، انه لا يزال من الممكن للبلدان التي ستتنافس معها الولايات المتحدة أن تشارك في حل المشكلات العالمية.
يمكن القول، ان إدارة بايدن قد بالغت في أمانيها بما يتعلق بقدرتها على الحشد الدولي خلف أهدافها. فهي على بُعد أسابيع عن الاستحقاق الانتخابي، الذي قد يجعل من إدارته عرجاء -حسب التوقعات الراجحة-، ومن ناحية أخرى فإن ما بعد الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته الإدارة بما يتعلق بالانسحاب من أفغانستان بهذه الطريقة إضافة إلى توريط القارة الأوروبية مع روسيا وتدهور علاقاتها مع السعودية، وسط انهاك الدول الباقية بأزمة طاقة واقتصاد متراكمة، يجعل من التعويل على المجتمع الدولي أمراً غير راجح.
الكاتب: غرفة التحرير