خرجت مظاهرات شعبية مطالبة بإلغاء النظام الملكي في بريطانيا لتستقبل الملك تشارلز الثالث أثناء خروجه من البرلمان يوم أمس بعد أيام فقط على تنصيبه خلفاً للملكة إليزابيث الثانية. ومع وفاتها يعتقد مؤيديو النظام الجمهوري أن "نهاية المؤسسة الملكية" التي يبلغ عمرها أكثر من 1000 عام قد تكون "خطوة أقرب".
تتصاعد في "المملكة المتحدة" الأصوات المعارضة للنظام الملكي والتي تتطلّع الى مستقبل جديد لبريطانيا التي سئمت من الطبقية وانعدام المساواة والعدالة التي ينتجها الحكم الملكي. فالعائلة الحاكمة تتمتع بالعديد من الامتيازات، ويضمن قانون البلد أن أسرة واحدة تتلقى منحاً ممولة من دافعي الضرائب، وتسكن القصور الحرفية، وتحظى حماية خاصة من العدالة الجنائية، بما يولّد شعوراً أن هناك أناس ولدوا "مختلفين".
وترى بعض الأوساط أن هذا البذخ الذي تعيشه "الأسرة المالكة" والذي ترعاه الدولة أمر سيء ويزيد من سوء سلوك أفراد هذه العائلة. وذكر المنظّر الدستوري والتر باجيت الأسترالي أن "الأمير الدستوري هو الرجل الأكثر ميلا إلى المتعة، وغير المُرغم على العمل".
وفي مظاهرة أمس، حمّل البريطانيون العائلة المالكة مسؤولية المبالغ المالية التي يجمعونها على حساب دافعي الضرائب. وتقول مجموعة "ريبابليك" (الجمهورية) إن تكلفة المؤسسة الملكية على كل بريطاني سنوياً تقدّر بـ 400 مليون دولار فيما تملك العائلة أصولاً تصل الى نحو 23 مليار جنيه إسترليني حسب إحصاءات عام 2015.
و"ريبابليك" هي مجموعة تأسست في عام 1983 للمطالبة برئيس دولة منتخب وإلغاء النظام الملكي، واعتبر رئيسها التنفيذي، غراهام سميث في آخر تصريحاته، إن "ما نفعله أمر منطقي" مضيفاً "سوف ندخل في الأمور الأكثر جدية لاحقًا". وأعلن مؤيدو الجمهورية في 10 كانون الثاني / يناير2022 بمناسبة مرور 70 عاماً على تولي الملكة إليزابيث العرش، عن حملة لإنهاء النظام الملكي في بلادهم.
يتصاعد الميل الى النظام الجمهوري بين جيل الشباب البريطانيين. فحوالي 41 % من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً يريدون رئيس دولة منتخبًا، وفقًا لاستطلاع رأي بريطاني في 2021. إن 5 من أصل 6 بريطانيين لم يعودوا مقتنعين باستمرار الملكية في البلد، وقد تراجع تأييد النظام الملكي من 75% عام 2012 الى 62% عام 2022 حسب إحصاء YouGov (شركة دولية على الإنترنت).
في هذا السياق وصفت صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقريرها بتاريخ في 9 / 9 / 2022 اختلاف الآراء بين البريطانيين تجاه الملكية بـ "صدع بين جيلين"، إذ إن الجيل الأكبر سناً يدعم وجود المؤسسة الملكية، فيما لا تعني هذه المؤسسة أي شيء للجيل الأصغر سناً.
في عام 1991، حاول النائب اليساري البارز، توني بين، إقناع البرلمان بالتصويت لإلغاء الملكية، كما نظّمت صحيفة "الغارديان" البريطانية عام 2000، حملة لإنشاء جمهورية، بهدف أمل تحفيز النقاش العام حول هذه القضية الشائكة. لكنّ كلتا المحاولتين باءت بالفشل ولسنوات، أدرك النشطاء أن تولي الملك تشارلز الأقل شعبية سيمثل أفضل فرصة لهم لكسب التأييد لقضيتهم.
وكانت رئيسة الوزراء الحالية ليزا تراس من أشدّ الداعمين لإلغاء النظام الملكي وقالت في مقطع فيديو يعود الى العام 1994 "أنا لست ضدهم شخصيا (العائلة الملكية)، أنا ضد فكرة أن الناس ولدوا ليحكموا". وفي مقطع فيديو آخر طالبت تراس بتطبيق النظام الجمهوري في بريطانيا. لكنّ مواقفها السياسية تبدّلت كلياً في العام 1996 مع انضمامها الى حزب المحافظين وتخليها عن الحزب الليبرالي (اليساري).
المملكة المتحدة تترنّح
تهدّد هذه الحالة من النقمة على النظام الملكي، خاصة اذ ما تصاعدت في الفترة المقبلة، وحدة أراضي ودول المملكة المتحدة التي تضمّ منذ العام 1922 أربعة بلدان، إنجلترا واسكتلندا وويلز التي تشكل معًا ما يسمى "بريطانيا العظمى" بالإضافة الى ايرلندا الشمالية.
خلال سنوات حكم الملكة اليزابيث الثانية تفككت "الإمبراطورية البريطانية التي كانت تضم مع بداية توليها العرش 70 دولة واقليماً. لكن هذه "الامبراطوريّة" ترنّحت تحت نزعات الاستقلال وخرجت دول أسيوية وأفريقية من السيطرة البريطانية واكتفت بريطانيا بعدها بإنشاء مجموعة دول "الكومنولث" الـ 54 وبرئاسة شرفية على دول التاج البريطاني الـ 32 لكنّ عدد هذه الدول اليوم لا يتعدّى الـ 15 دولة وعدد منها يخطط جدياً للاستقلال. ويُعبر أن المملكة "نجت" في العام 2014 من استقلال اسكتلندا بعد استفتاء تقرير المصير لكنّ تكرار هذه النتيجة ليس مضموناً بسبب خلافات الخروج من الاتحاد الأوروبي التي لا تزال قائمة.
واعتبر القصر البريطاني أن عودة "هونغ كونغ" (التي كانت تحت الاستعمار البريطاني) الى الصين عام 1997 "كان النهاية الرسمية للإمبراطورية".
الكاتب: غرفة التحرير