نفّد الشهيد أمير الصيداوي عملية نوعية في القدس المحتلّة حاصداً خلال 10 الى 15 ثانية 9 مستوطنين، 3 منهم وصفت حالتهم بالخطيرة. العملية جاءت بعد أيام من اغتيال كيان الاحتلال لقادة سرايا القدس وفي مقدمتهم قائد المنطقة الشمالية تيسير الجعبري وقائد المنطقة الجنوبية خالد منصور وارتكابه الجرائم بحق المدنيين والأطفال في عدوانه على قطاع غزّة، فضلاً عن اغتيال القائد في كتائب شهداء الأقصى إبراهيم النابلسي والانتهاكات اليومية في الضفة الغربية المحتلّة.
أعادت نوعية العملية ذاكرة الاحتلال الى عملية نفذتها مجموعة من سرايا القدس في وادي النصارى في الخليل، أطلق عليها الاحتلال اسم "زقاق الموت"، اذ تصيّد المنفذون وهم الشهداء الثلاث أكرم الهنيني ودياب المحتسب وولاء سرور 13 جندياً اسرائيلياً من بينهم قائد قوات الاحتلال في الخليل وإصابوا 18 آخرين، بتاريخ 15/11/2002.
حملت هذه العملية التي جاءت في سياق طبيعي للفعل الفلسطيني المقاوم ضد الاحتلال وبتعليمات من أمين عام حركة الجهاد الإسلامي الراحل الدكتور رمضان شلّح للرد على اغتيال قائد سرايا القدس شمال الضفة إياد صوالحة ("المطلوب رد قاسي وسريع")، تكتيكاً جديداً وابداعاً في التخطيط والتنفيذ، لتُوصف "بالأضخم" خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
اختار المخطط للعملية الأسير نور جابر ورفيقه الشهيد محمد سدر مكان العملية في مستوطنة "كريات أربع" للرد أيضاً على توسع الاحتلال الاستيطاني في الخليل ومعاناة الفلسطينيين من الاقتحامات والاعتقالات. على مدار 3 أشهر عمل جابر على مراقبة المستوطنة وزقاقها الأقرب الى الحي الفلسطيني.
استعان جابر بالأسير محمد عمران لمسح ورصد المساحات المفتوحة والحرشية في تخوم المستوطنة متقمصاً شخصية عجوز بدوي يمتهن الطب البديل (العلاج بالأعشاب)، حصل عمران على معلومات دقيقة جداً لحركة دوريات الاحتلال والمستوطنين وأوقات استبدال الطواقم المناوبة في النقاط العسكرية كما أعداد الجنود وعتادهم وسلوكم عند الشّك بأي حدث أمني.
وبعد مراقبة حركة الاحتلال وضع جابر الخطة المدروسة. قسّم المهمات بين مجاهدين يكمنان في الزقاق لقنص وإبادة كلّ جندي يقع في مصيدتهم، ومجاهد ثالث يقف خارج الزقاق ويتولى مهمّة استدراج الجنود.
وفي يوم التنفيذ بالتزامن مع اقتحامات المستوطنين للمسجد الابراهيمي "بحراسة" من وحدة "مشاة النحال" التابعة لجيش الاحتلال، توزع المجاهدون حسب التشكيل المحدّد وأخذوا إشارة التنفيذ ليلقي أحدهم قنبلةً معلناً بدأ العملية. نجحت المجموعة التي واصلت عملها من ساعات المساء الأولى ولغاية الساعة العاشرة والنصف ليلاً، في استدراج الجنود وألياتهم والايقاع بهم داخل الزقاق.
مقابل حسن التنظيم والإعداد والتجهيز من جانب مجموعة سرايا القدس، كشفت العملية عن فقدان السيطرة أثناء القتال لدى المسؤولين العسكرين في جيش الاحتلال، اذ أدت قرارات "لجنة التحقيق العسكري" الى إقصاء العديد من الضباط من أصحاب الرتب العسكرية المتوسطة ومن بينهم نائب كتيبة "ناحال" وضابط العمليات في حرس حدود الخليل وإقصاء قائد كتيبة من جنود الاحتياط تابعة لقائد سلاح اليابسة. كما وتسجيل الملاحظات في السجلات الشخصية لضباط آخرين امتنعوا عن تسلم القيادة في اللحظات الحاسمة من الاشتباكات، ومن بينهم قائد كتيبة المدرعات. فيما كثّف الاحتلال من انتهاكاته للفلسطينيين في الضفة ووضع الراحل شلّح على رأس قائمة المطلوبين.
تتالت عقبها الاعترافات الإسرائيلية حول العملية، فقال الصحفي في صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، عوفر شيلح، أن "خلية للجهاد الإسلامي نفذت هجوماً يعتبر حرب عصابات بكل ما تعنيه الكلمة، فالجهة المستهدفة كانت مسلحة ومتفوقة في العدد والعتاد العسكري وقد نجح الهجوم بسبب القراءة الصحيحة لصورة الأوضاع ميدانياً". وفي تعليق آخر للصحفي ناحوم برينياع في الصحيفة نفسها، وصفها "بالمذبحة" مشيراً الى ان الذين قتلوا هم من الجنود المدربين والجاهزين للقتال".
ونظراً لأهمية العملية وتأثيرها، صدر كتاب خاص يسرد تفاصيل العملية وأسبابها ويتطرق الى ردود الفعل الفلسطينية والإسرائيلية والدولية التي أثارتها العملية بالإضافة الى عرض معالجتها في الصحف الفلسطينية والعبرية.
لقراءة الكتاب
الكاتب: غرفة التحرير