"سبعة أيام مضت، أربعة وقف خلالها جيش العدو ومعه أكثر من اثني مليون مستوطن على أصابع أقدامهم" هكذا وصف الناطق باسم سرايا القدس "أبو حمزة" حالة كيان الاحتلال بعد استنفار المقاومة للرد على اعتداءاته في الضفة الغربية المحتلّة. وفي الأيام الثلاث المتبقية كانت كل المدن الفلسطينية المحتلّة تحت مرمى صواريخ المقاومة وفي مقدّمتهم حركة الجهاد الإسلامي التي أظهرت قدرات في إدارة المعركة وزخماً نارياً غير مسبوق في تاريخ جولاتها العسكرية مع جيش الاحتلال.
فما الذي أنجزته سرايا القدس في وقت قياسي؟
خلال 50 ساعة تقريباً (5/8/2022 الساعة 9:00 مساءً لغاية 7/8/2022 الساعة 11:30 ليلاً) أطلقت سرايا القدس حوالي الـ 1000 صاروخ وقذيفة بشكل متواصل ومستمر. وتكثّفت الرشقات الصاروخية في الساعات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، أي عصر يوم الاحد (7/8) وحينها أطلقت السرايا رشقة من 100 صاروخ دفعة واحدة باتجاه الأراضي المحتلة استهدفت بلدات بينها بئر السبع و"بلمحيم" وسديروت. وأشار الاعلام العبري الى أن "الجهاد الاسلامي أطلقت صليات صاروخية لم نشهدها في جولات سابقة".
كما قصفت كلّ مستوطنات غلاف غزة البالغ عددها 58 بشكل متزامن ما أدى الى انقطاع التيار الكهرباء عن 10 مستوطنات جراء سقوط صاروخ على الخط المشغل، كذلك أصابت الصواريخ المنطقة الصناعية في عسقلان المحتلة وسقط صاروخ في محيط القطار السريع في "نتيفوت".
وفي رشقة أخرى أطلقت سرايا القدس 50 صاروخاً في نصف ساعة باتجاه مستوطنات الجنوب ومدن الوسط في الداخل المحتل وسط "توصيات" الاحتلال للمستوطنين بالبقاء في الملاجئ والأماكن "المحمية". فيما طالت عدد من الصواريخ ضواحي القدس المحتلة بالتزامن مع اقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى في مناسبة ما يسمى "خراب الهيكل" المزعوم.
وكانت سرايا القدس قد افتتحت معركة "وحدة الساحات" برشقة صاروخية مؤلفة من 160 صاروخاً استهدفت بشكل أساسي غلاف غزّة.
اعترف الاعلام العبري بأن "الصواريخ التي وصلت إلى بحر نتانيا، هي أبعد نقطة تصلها صواريخ هذه المواجهة، وسقطت دون إشعار من صافرات الإنذار". ويدلّ سقوط الصواريخ في هذه المنطقة على المدى الذي باتت تتمتّع به صواريخ سرايا القدس. اذ تبعد "نتانيا" المحتلّة عن شمال قطاع غزّة مسافة حوالي 85 الى 90 كيلو متر فيما تبعد عن جنوب القطاع مسافة 120 كيلو متر. وكانت السرايا قد أدخلت الى الخدمة الميدانية صاروخ "براق – 120" خلال معركة "صيحة الفجر" التي خاضتها رداً على اغتيال الاحتلال للقائد بهاء أبو العطا ومحاولة اغتيال مسؤول الدائرة العسكرية أكرم العجوري عام 2019.
كذلك أقرّ الاعلام العبري بعدّة نقاط أظهرت تأثير سرايا القدس، فقالت "القناة 14" العبرية أنه تم "تفعيل صفارات الإنذار أكثر من 360 مرة في جميع أنحاء إسرائيل خلال 55 ساعة، أثناء جولة القتال الأخيرة في غزة". ونقلت هروباً وصفته بالهيستيري للمستوطنين في "تل أيبب" وشواطئها. كما اعترف الاحتلال بعشرات الإصابات المادية والبشرية جراء صواريخ المقاومة.
أبعاد كثافة النيران
أكدت الرشقات الصاروخية المتواصلة والكثيفة على ترميم سرايا القدس لقدراتها منذ معركة "سيف القدس" وعلى استعادتها لمخزونها الصاروخي قبل المعركة مع زيادة في الإنتاج. اذ إن كثافة النيران وعدد الصواريخ التي أطلقت في "وحدة الساحات" لم تشهدها الأيام الأولى لـ "سيف القدس".
في هذا السياق، شرح الخبير العسكري واصف عريقات لموقع "الخنادق" أن "تأثير إطلاق الصواريخ والقذائف الفلسطينية معنوياً أكثر منه للقتل فهو يستهدف، بالإضافة الى ايقاع الخسائر، كي الوعي الاسرائيلي والتأثير على معنويات الاسرائيليين الذين أجبروا على البقاء مختبئين طيلة فترة العدوان وشلت حياتهم بشكل كامل. لذلك تم توزيع بنك الاهداف ليشمل أكبر قدر ممكن من الوجود الاسرائيلي في المدن والمستوطنات وتحقيق معادلة الالم الفلسطيني يقابله ألم إسرائيلي".
ونفى "عريقات" ادعاءات الاحتلال بإصابة القبة الحديدية لأغلب صواريخ المقاومة مستنداً على "صور سقوط الصواريخ في العمق الفلسطيني المحتلة وهروب نواب برلمان وجنود ومجندات وضباط واهالي من وسط المدن والمواقع العسكرية وكذلك حجم الاصابات والخسائر" وذلك بسبب "استغلال المقاومة ثغرات القبة الحديدية وإطلاق رشقات كبيرة من الصواريخ والقذائف دفعة واحدة واستغلال مراوح رمي القبة الحديدية حيث انها لا تغطي كامل الأرض".
أمّا على مستوى الأهداف الحيوية التي قصفتها سرايا القدس خلال هذه المعركة، فقد سجّل توقف حركة الملاحة الجوية في مطار "بن غوريون" في مدينة اللد المحتلّة بعد تعرّضه لأكثر من 4 صواريخ. وقد انتشرت الاخبار حول عدم قدرة بعض الطائرات على الهبوط في المطار بسبب الصواريخ في الأجواء.
قصف المواقع العسكرية وسلاح كاسر للتوازن
وقصفت سرايا القدس كما الأجنحة العسكرية للفصائل الأخرى المواقع العسكرية الإسرائيلية المتوزعة على حدود قطاع غزّة واهمها "ناحل عوز" الذي استهدفت ايضاً أنظمة المراقبة فيه، وموقع "ايرز"، وقاعدة "زيكيم" برشقات صاروخية على طول مدّة المعركة.
تشكّل هذه المواقع بحسب مصادر فلسطينية أهدافاً مهمة وذات تأثير على جيش الاحتلال، فهي تضم تشكيلاً قتالياً مؤلفاً من قوات مشاة وقوات مدفعية وقوات دعم لوجستي وصيانة بالإضافة الى منظومات قيادة وسيطرة تشرف على "حافة العدو" (المقاومة الفلسطينية). مهمتها الأساسية هي تزويد وحدات وقيادة الجيش بمعلومات استخباراتية تساعد على توجيه الجنود. وقد تضم قوات مدرعة لاسناد المشاة في بعض الحالات.
بالإضافة الى ذلك استخدمت سرايا القدس في اخر ساعات القتال سلاحاً مضادا للطائرات من نوع "ستريلا" تصدت به لإحدى طائرات الاحتلال معلنةً أن لديها المزيد من الاسلحة الكاسرة للتوازن.
السرايا تحتفظ بالكثير!
هذا الزخم الكبير وبنك الأهداف جاء بعد اغتيال اثنين من قادة سرايا القدس هما قائد المنطقة الشمالية تيسير الجعبري وقائد المنقطة الجنوبية خالد منصور، وقرار المقاومة بالتصدي لهذا العدوان قرأته الأوساط الفلسطينية كـ "عمل بطولي ونوعي"، فيما ذكر الاعلام العبري أن "الجهاد الإسلامي يحافظ على قدراته وهو نجح في إمساك الجنوب رهينة بيده".
كما أن تطور أداء سرايا القدس يستمر وسط الحصار ومنع دخول المواد الأولية ومع طائرات استطلاع إسرائيلية لا تفارق سماء القطاع لكنّ الاحتلال لم يتمكّن من استهداف المجاهدين في الميدان وفي مواقع إطلاقهم للصواريخ.
و"إن ما ظهر من قدراتنا الصاروخية التي أضحت اليوم تستنزف عدونا الأحمق، هو جزء يسير مما أعددناه، وإننا نحتفظ بالكثير الكثير مما يؤلم العدو" حسب ما شدّد "أبو حمزة".
الكاتب: مروة ناصر