حضر الرئيس الأميركي جو بايدن -قبل تسلمه الرئاسة- في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لأكثر من 50 عاماً. وهو الأمر الذي راكم لديه خبرة عميقة في السياسة الخارجية الأميركية. وقدّم له فرصة في الاقتراب من مراكز صنع القرار خلال ولاية أسلافه ريتشارد نيكسون، جيرالد فورد، جيمس كارتر، وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما... إلا ان تأثّره بالنهج التقليدي الحاد للديموقراطيين، تسبب بنوع من شل آلة السياسة الخارجية في إدارته، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة توتراً غير مسبوق منذ انتهاء الحرب الباردة.
يبدي بايدن تردداً في اتخاذ أي من القرارات المؤثرة التي كان قد وعد بها خلال حملته الانتخابية. فعلى الرغم من مضي 18 شهراً على وصوله إلى سدة الرئاسة، لم يحسم بايدن أي من الملفات العالقة. ان كان بالنسبة للاتفاق النووي مع إيران او الحرب الروسية- الأوكرانية أو فيما يتعلق بزيادة انتاج النفط التي تخلى عن صورته كمدافع عن حقوق الانسان لأجلها بينما لم يلق أي ضمانات حيال ذلك. إضافة لجملة من القضايا الداخلية التي يحكمها التوازن القائم مع الحزب الجمهوري. ولا يبدو أن هناك أي مؤشرات على حدوث تغيير فاعل في القريب العاجل، على أبواب الانتخابات النصفية للكونغرس في كانون الأول/ ديسمبر القادم.
هذا النهج التقليدي المتبع الذي لم ينجح في إحداث أي تغيير في وجه المنطقة والعالم، فيما يخص حسم المعركة القائمة في أوكرانيا رغم العقوبات الاقتصادي والدعم العسكري الأميركي لها الذي تجاوز 50 مليار دولار، من جهة، أو تحقيق أحد أهم أهداف زيارته إلى المنطقة وهو انشاء حلف دفاعي في وجه إيران، لخصه استاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، مارك لينتش، بالقول "النظام السياسي الجديد الذي تحاول واشنطن بناؤه في الشرق الأوسط هو القديم نفسه".
ويرى لينتش أن الولايات المتحدة تقوم بالرهان على قدرة الدول العربية المستبدة تبني نظاما إقليميا يضم إسرائيل بدون الإهتمام بردة فعل الرأي العام في الدول هذه. ولكن المخاطرة وسط أزمات اقتصادية واجتماعية واقتصادية ستترك آثارا عكسية كما هو الحال في الماضي. وكان اهتمام الولايات المتحدة بإقامة نظام أمريكي- شرق أوسطي بمثابة هواية أمريكية منذ عام 1991 وعندما احتل صدام حسين الكويت. ولكن الشرق الأوسط لا تتوفر فيه الظروف التي تجعله يتبع أوامر أميركا. ويقدم فشل النهج الذي تبنته الولايات المتحدة في انتاج نظام إقليمي مستقر وشرعي وحتى في عز القوة الأمريكية العالمية دروسا لليوم.
ويتابع لينتش في مقال له نشر في موقع مجلة "فورين أفيرز"، ان مرحلة ما بعد 1991 لم تدر نفسها بنفسها، فما أطلق عليه الإحتواء المزدوج لكل من العراق وإيران اقتضى وجوداً عسكرياً شبه دائم وإقامة قواعد عسكرية أمريكية في دول الخليج. وهذا تحول عن العقود الماضية عندما قامت الولايات المتحدة بإدارة المنطقة من وراء البحار معتمدة على حلفائها المحليين وتجنب إقامة قواعد عسكرية ضخمة ودائمة. واقتضى منها أن تخصص جهودا دبلوماسية غير متناسبة وطاقة لمشاكل المنطقة، حيث تطلبت كل أزمة اهتماما أمريكيا كبيرا. وأدى التعامل مع الأزمات اللامتناهية لتجاهل بل والترويج للأنظمة المستبدة التي ستقوض في النهاية النظام.
وباتت الدول غير العربية مثل تركيا وإيران وإسرائيل تلعب دورا. ولأن الأنظمة تعاني من غياب أمن وجودي منذ ثورات عام 2011، والتي ترافقت مع الحروب الأهلية والدول الفاشلة فقد تغير منطق التدخل وغير ميزان القوة، بحسب لينتش.
وفي نفس الوقت فالولايات المتحدة في حالة فوضى واستنفذها النزاع الداخلي والإستقطاب الحزبي، وتخلت حتى عن مظهر دعم الديمقراطية. ويقول المدافعون عن اتفاقيات إبراهيم في إسرائيل ودول الخليج أنها قد تكون أساسا لبناء نظام إقليمي. وكل الأدلة تقترح أن الرأي العام يرفض التطبيع مع إسرائيل في غياب حل للقضية الفلسطينية. ونظام يعتمد على مستبدين ولقمع الرأي العام بدلا من بناء نظام يحظى بشرعية خارج القصور لن يستقر أو يدوم.
ويتابع لينتش، كان بايدن حذراً من الحديث عن استخدام القوة. وأعطاه الإنسحاب من أفغانستان مصداقية وتجنب خوض حروب واسعة. لكن الضغوط للتحرك ستتزايد مع ضيق الخيارات بين قبول إيران نووية أو التحرك عسكرياً. والطريق الذي يمضي فيه بايدن لاعادة بناء النظام الإقليمي يجعل من تلك النهاية الكارثية محتومة.
الكاتب: غرفة التحرير