تأتي زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، بمرحلة شائكة، فيها من التحديات ما يجعل من تحقيق أهداف الزيارة أمراً صعباً. لارتباط الحلول بأطراف عدة ليست "إسرائيل" والسعودية وحسب، بل بكل الدول التي تؤثر بالأسواق النفطية استيراداً وتصديراً. وهذا ما يجعل من الدائرة أكثر اتساعاً لتشمل كيانات ودول بمشاريع ورؤى ومصالح مختلفة.
هنا، يمكن الحديث عن مسارات عدة: مستوردي النفط، مصدري النفط، والدول الكبرى والفاعلة كالصين وروسيا والهند وإيران. وعلى بايدن إذاً معالجة كل خيوط هذه المسارات في آن معاً.
من جهتها، وصفت صحيفة "فايننشال تايمز" في تقرير لها، المهام التي أتى من أجلها بايدن إلى المنطقة بالـ "المهمة المستحيلة"، حول الشق المتصل بتدجين أسعار النفط والمشاكل التي يواجهها.
فهو يأمل من رحلته إلى السعودية، أن يقنع قادتها بزيادة معدلات إنتاج النفط على أمل شلّ النفط الروسي. وقالت الصحيفة إن بايدن سيصل السعودية، حاملاً معه خطة من شقين تؤدي إلى تخفيض أسعار النفط و"معاقبة" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الوقت نفسه:
-الشق الأول من الخطة، هو إقناع السعوديين بزيادة معدلات الإنتاج.
-الثاني، فهو تحديد سعر أقصى لما يمكن لروسيا أن تبيع نفطها الخام من خلاله.
ويقول مدراء شركات النفط التنفيذيين والمحللين لحركة سوق النفط، إن الخطة بشقيها تواجه مصاعب ومحفوفة بالمخاطر، وربما ارتدت عكساً، بشكل يدفع روسيا لخفض معدلات إنتاجها مما يرفع أسعار النفط.
وفي هذا الصدد يقول المدير في شركة الاستشارات "إنفيروس": بيل فارين- برايس، "إنها تشبه المهمة المستحيلة"، مضيفا أن الدول الخليجية الأعضاء في منظمة أوبك "ربما استنفدت طاقتها في العرض" وأن تحديد سعر أقصى هو بمثابة "مداعبة للخطر".
وتقول الصحيفة إن بايدن ربما عاد بأقل مما يأمل بالحصول عليه، وذلك حسب أشخاص على معرفة بتفكير المملكة. فقد ارتفع إنتاج السعودية إلى 11 مليون برميل في اليوم أو أكثر من 10% من حجم الإنتاج العالمي، ووافقت المملكة على زيادة معدلات الإنتاج خلال الشهرين المقبلين. وهذا يعني قدرة إنتاجية بأقل من مليون برميل في اليوم من القدرة الرسمية للإنتاج، وستكون مترددة باستخدام المخزون المؤقت هذا.
وفي نهاية حزيران/ يونيو الماضي، سُمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يتحدث مع بايدن في قمة الدول السبع، بأن الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد أخبره بأن الإمارات تنتج بـ "الحد الأقصى" وأن قدرة السعودية مقيّدة على المدى القصير. ويرى فارين- برايس: "لو كان بايدن يأمل بأن تؤدي رحلته للرياض لزيادة إنتاج النفط السعودي مباشرة، فإن أمله سيخيب".
ما هو هدف بايدن: تخفيض أسعار النفط أم موارد روسيا؟
أحد الخطط المطروحة على الطاولة والموضوعة للنقاش، هي وقف تأمين البواخر المحملة بالنفط الروسي الخام باستثناء المستوردين الذي يرغبون بمواصلة شراء النفط الروسي شريطة أن يبقوا ضمن السقف المحدد للأسعار، إلى جانب خطوة أخرى تهدف إلى تقييد سعر النفط دون تخفيض كميات النفط المصدرة.
وفي حين يرى الخبير في النفط الروسي بمركز ديفيس في جامعة هارفارد، غريغ كيندي، أن "روسيا هي في وضع ضعيف عندما ستبدأ أوروبا بتطبيق المنع، خاصة إذا انضمت بريطانيا كما هو متوقع... لو جمعت حجم التصدير الروسي إلى فترات الإبحار الطويلة للصين والهند، فستجد روسيا مشكلة في العثور على عدد كاف من الناقلات لنقل نفطها بالحجم الحالي"، فإن موسكو لديها أوراقها أيضاً.
ويشير كل من ديريك براون وديفيد شيبارد، معدا التقرير في "فايننشال تايمز" إلى انه "في مواجهة هذا الوضع، فقد تضطر روسيا إلى قبول الحد الأقصى للسعر الذي تبيع به نفطها، أو قد تضطر لإغلاق آبار النفط، بشكل يضر بقدرتها الإنتاجية على المدى البعيد. ومع ذلك، فهناك شكوك من مدراء الصناعة وكذا مسؤولين في إدارة بايدن. وقال مدير تنفيذي في الصناعة: "هل يحاولون تخفيض أسعار النفط أم موارد روسيا؟". ويطرحان إشكالية أخرى ان "أي خطة تحتاج إلى موافقة كل من الهند والصين، البلدين المستوردين للنفط الروسي بكميات كبيرة، وسيتردد البلدان في قبول الشروط الأمريكية على علاقة الطاقة مع روسيا".
مدير البضائع في أبحاث البضاعة بـ "سيتي"، إد مورس، يرى إنه بدون الصين والهند، فسيتأثر العدد المتناقص من المشترين الأوروبيين بالخطة، بشكل لن تطال عملية وضع حد أقصى للسعر إلا ثلث الصادرات الروسية... إن متابعة عمليات شحن النفط الروسي ستكون صعبة، لو استخدم المستوردون مخازن ومنشآت وعمليات شحن عابرة لإخفاء حركة براميل النفط الروسي". ويضيف مورس "المدهش هو كيف ستضع حدا أقصى على سعر شيء، وأنت لا تتحكم بالوسطاء... على صناع السياسة الأوروبية تحضير أنفسهم لانتقام روسي. وقد يشمل هذا رفض موسكو فتح خط نوردستريم 1 لألمانيا الذي أغلقته روسيا للقيام بعمليات الصيانة، وأوقف عمليات الإمداد من قازخستان".
وفي الحالة المتطرفة، يمكن لروسيا أن توقف تصدير النفط، وفي هذه الحالة فقد يرتفع سعر النفط إلى 380 دولارا للبرميل، أي ضعف سعره أثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008.
المستشار في شركة الاستشارات في واشنطن "كليرفيو إنيرجي بارتنرز"، كيفن بوك، يشير بدوره إلى انه "لدى روسيا فيتو في هذا...فكرة أن نتجول حول العالم لقطع تدفق الموارد عن الكرملين، قد تكون تفكيرا خيالياً وخطيراً".
الكاتب: غرفة التحرير