هي قمة القمم التي عقدت بالأمس الثلاثاء، في العاصمة الإيرانية طهران، بين الجمهورية الإسلامية وروسيا وتركيا، وما سبقها من لقاءات ثنائية، تؤكد بالإضافة الى ما أكدته قمة جدة وما سبقها أيضاً من لقاءات، أن المنطقة لم تعد ملعباً للولايات المتحدة الأمريكية، ترسم فيه القواعد والعلاقات أو بالأحرى تفرضها كيفما تشاء، وكيفما يشاء الكيان المؤقت.
وبالرغم من أن هذه القمة، قد عقدت في إطار مناقشة مسار أستانا بشأن سوريا بشكل أساسي، إلا أن ما سبقها من لقاءات واجتماعات، أظهرت بأن البحث طال الكثير من القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية. كما كانت فرصة لتنمية العلاقات الثنائية بين هذه الدول، والتي كان أبرزها توقيع إيران وروسيا اتفاقية تعاون في مجال الغاز، تستثمر فيها الأخيرة بمبالغ غير مسبوقة تصل الى 40 مليار دولار. أما بين إيران وتركيا، فقد تم التوقيع على 8 اتفاقيات ومذكرات تعاون في العديد من المجالات.
لقاء القمة: الإمام الخامنئي والرئيس بوتين
أما كل أنظار المراقبين والمتابعين، فكانت منصبة على اللقاء الذي جمع قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لما سيكون لهذا اللقاء من تأثيرات وتداعيات، لن تقتصر على المنطقة فقط، بل وستكون كالسهام الموجهة من قبل الطرفين الى أمريكا. وهذا ما أكده سرعة علو صراخ الناطقين الرسميين باسم إدارتها، مثل المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي "جون كيربي"، الذي زعم أن زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لإيران توضح مدى العزلة التي أصبحت روسيا تعاني منها، في أعقاب ما وصفه بغزوها لأوكرانيا.
وبالعودة الى أجواء اللقاء، الذي لن تباح أسراره قريباً بطبيعة الحال، فإن ما ظهر يؤكد على مدى الانسجام والتوافق، بين الإمام الخامنئي والرئيس بوتين في العديد من المواضيع والنقاط، مثل الوضع في ساحة العمل المشتركة سوريا، أو فيما يتعلق بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
حيث أكدّ الجانبان على معارضة الهجوم العسكري (التركي) على شمال سوريا، مع الإشارة الى وجوب أن تكون منطقة شرق الفرات تحت سيطرة القوات العسكرية السورية، والذي عبّر الإمام الخامنئي عن ضرورة نهاية الوجود الأمريكي فيها. ما يكشف بأن الاستحقاق الراهن لسوريا وحلفائها، قد يكون في إنهاء هذا الوجود أو العمل على ذلك بشكل تصاعدي.
وفيما يتعلق بما يجري في أوكرانيا، أكدّ الإمام الخامنئي على موقف إيران المبدئي في رفض الحرب، لما يلحق بالمدنيين من خطر وتأثير. لكنه أكدّ في الوقت عينه على أن خطورة حلف شمال الأطلسي – الناتو، وأنه هو من أشعل فتيل هذه الحرب. وهذا ما ركز عليه بوتين، حينما عدّد عوامل وجذور الخلافات بين روسيا والدولة الأوكرانية، لا سيما الأعمال الاستفزازية للغرب وأمريكا في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الانقلاب في أوكرانيا، وكذلك سياسة التوسع لحلف الناتو، رغم تعهداتهم السابقة بتجنب أي تقدم تجاه روسيا.
كما اتفقا أيضاً، على أن أمريكا هي مصدر الشرور والمشاكل في العالم، وكان لافتاً استشهاد بوتين على ذلك، بذكر اغتيال واشنطن للشهيد القائد "الجنرال سليماني" والذي اعتبره مثالاً آخراً على شرور الأمريكيين في العالم.
كما جرى التوافق على أن الأحداث العالمية تظهر حاجة البلدين للتعاون المتبادل، وعلى أن العالم يشهد سقوطاً للأحادية القطبية، التي لم تعد تنفع لإدارة هذا العالم.
بيان القمة
أما بيان القمة التي عقدت بين رؤساء الدول الثلاث، حول مسار آستانة للحل في سوريا، فقد تمحور حول التأكيد على استمرار التعاون فيما بينهم، للقضاء على جميع الإرهابيين هناك، وهذا أبرز ما جاء فيه من بنود:
_ تعزيز التنسيق الثلاثي فيما بينهم، والتأكيد على دور أستانة في التسوية السلمية للأزمة السورية.
_ التأكيد على التزامهم الذي بالسيادة السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وكذلك بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، التي ينبغي احترامها من قبل الجميع، وعدم اتخاذ أي إجراء بغض النظر عمن يقوم به، يؤدي الى تقويض هذه المبادئ (وفي هذا الأمر إشارة واضحة الى تركيا التي قامت بإلغاء عمليتها العسكرية التي كان من المقرر بدءها في منطقة الشمال السوري).
_ الإعراب عن عزمهم مواصلة التعاون لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وشددوا على ضرورة التنفيذ الكامل لجميع الإجراءات المتعلقة بشمال سوريا.
_ رفض كل المحاولات المبذولة لخلق واقع جديد على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب (في إشارة لأمريكا)، بما في ذلك المبادرات غير المشروعة للحكم الذاتي، التي تؤدي الى إضعاف سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية، والتي تهدد الأمن القومي لدول الجوار.
_ إقرارهم تنسيق الجهود لوقف الاستيلاء والنقل غير المشروع للنفط السوري، وأن عائدات بيعه تعود لسوريا.
_ التنفيذ الكامل للاتفاقيات التي تتعلق بمنطقة إدلب.
_ إعرابهم عن القلق من الأوضاع الإنسانية السيئة في سوريا، التي يزيد من سوئها إجراءات الحصار غير المشروع، وتسييس ملف المساعدات عبر هيئة الأمم المتحدة، التي تكرّس واقع الانفصال أيضاً.
_ التأكيد على أن الحل في سوريا، لا يكون عسكرياً بل سياسياً من خلال الحوار بين الأطراف السورية.
_ التشديد على حق اللاجئين والنازحين السوريين في العودة الطوعية والآمنة الى بلادهم، ودعمهم من أجل تحقيق ذلك.
_ إدانة استمرار الهجمات العسكرية للكيان المؤقت على سوريا، بما في ذلك ضد البنى التحتية المدنية.
الكاتب: علي نور الدين