تعتبر رئاسة الوزراء من أكثر المركز حساسية في الكيان المؤقت، وهي أهم منصب يتحكم بكل الأمور المتعلقة بالقضايا السياسية والاجتماعية والعسكرية وغيرها، لذلك من غير المستغرب حدوث فضائح بسبب الوصول إليه أو التحكم به. وتندرج فضيحة "لافون" عام 1954 في هذا السياق بالدرجة الأولى.
تبدأ الفضيحة من عند أول رئيس وزراء إسرائيلي، هو ديفيد بن غوريون، حيث كان خارج السلطة، لكنه لم يكن بعيداً عن مراكز التأثير والنفوذ، كان يقيم آنذاك في صحراء النقب في مستعمرة "سيدي بوكر" حيث يرصد ويُراقب الواقع السياسي للكيان المؤقت.
يومذاك كان موشيه شاريت رئيساً للوزراء، وبنحاس لافون وزيراً للدفاع، وبنيامين غيبلي رئيساً للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
في ذلك الوقت أي في العام 1954 كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر قد وصل الى السلطة، مع ما حمله هذا الوصول من تداعيات على مجمل الأوضاع في العالم العربي خاصة، والعالم عامة. وكان لابد للعقل التخريبي الإسرائيلي، وتحديداً ديفيد بن غوريون أن يُقدم على أية خطوة يكون من شأنها عرقلة مسيرة ثورة تموز/ يوليو والحد من تأثيرها ونفوذها.
أصدر بن غوريون أمراً شخصياً، بالاتفاق مع وزير الحرب بنحاس لافون، ودون علم رئيس الوزراء موشيه شاريت، ويقضي هذا الأمر بزرع شبكة جاسوسية وتخريب في مصر مهمتها تنفيذ عمليات تخريب، ضد المصالح الأميركية والبريطانية.
بدأت العمليات التخريبية فعلاً في العاصمة المصرية القاهرة، وكذلك مدينة الاسكندرية، ضد مصالح دبلوماسية واقتصادية بريطانية وأميركية، كل ذلك ليثبت "الكيان المؤقت" أن مصر دولة ضعيفة لا تستطيع حماية أمنها ذاتياً، ولا بد من تكريس الوجود البريطاني، الذي كانت بدأت إشارات البدء بمفاوضات لجلاء قواته من مصر قد انطلقت من جانب جمال عبد الناصر.
أما الهدف الثاني لعمليات التخريب ضد المصالح الأميركية، فهو منع الإتصال والحوار الذي بدأ بين مصر والولايات المتحدة، عشية انطلاق ثورة 23 تموز/ يوليو 1952.
وثمة هدف شخصي آخر كان لبن غوريون، وهو إسقاط حكومة موشيه شاريت، في حال كشف هذه العمليات، وعودة بن غوريون الى الحكم. وهو ما حصل فعلاً. فبعد أشهر قليلة فقط، استطاعت المخابرات العامة المصرية كشف العملية بكاملها، وذلك بعد حادثة حصلت بالصدفة، أمام أحد دور السينما "سينما ريو" في الإسكندرية، حيث انفجرت عبوة ناسفة في جيب عميل إسرائيلي، وهو فيليب ناتنسون، كان مكلفاً بوضعها أمام قاعة السينما في ذكرى ثورة تموز/يوليو. قبض على "ناتنسون"، ثم فيكتور ليفي، ود.موشيه مرزوق، وفيكتورين نينيو، وروبرت داسا، اضافة الى رئيس مجموعة الاسكندرية صموئيل عازر.
ترتب عن هذه الفضيحة نتائج هامة، وعُرفت فيما بعد باسم "فضيحة لافون" أو "القضية المشينة"، حيث استقال على أثرها شاريت من رئاسة الوزراء، وكذلك استقال بنحاس لافون وزير الدفاع، كما تم إقصاء العقيد بنيامين غبيلي عن رئاسة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية وعيّن مكانه لفترة قصيرة، يوفال نيئمان (عالم فيزيائي). كما حقق ما عمل إليه بن غوريون، وهو العودة إلى منصب رئاسة الوزراء.
أما المجموعة الإسرئيلية التي نفذت العمليات والمؤلفة من ست أشخاص، فقد سقطت واعتقلت من قبل المخابرات العامة المصرية. والجدير بالذكر أنه تم اعتقال ايلي كوهين مع المجموعة ولكنه نجح بإقناع المحقق في القضية بأنه لا علاقة له بها أو بالعمليات التخريبية.
وفي أعقاب حرب حزيران/يونيو 1967 أطلق سراح هؤلاء المعتقلين والمحكومين في قضية "لافون" في تبادل للأسرى بين مصر و"الكيان المؤقت".
الكاتب: غرفة التحرير