تأتي زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وهي الثانية خلال عام، بالتزامن مع ظروف حسّاسة تمرّ بها الساحتين الفلسطينية واللبنانية، كما الساحة الإقليمية بالإضافة الى الدولية. ما يجعلها تحمل أبعاداً لا بدّ من التوقّف عندها.
أولاً، "حماس" في مقدّمة مواجهة اعتداءات الاحتلال البحرية
يحتل موضوع ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة المرتبة الأولى من أبعاد هذه الزيارة، فقد أكّد هنية "وقوفه الى جانب لبنان بوجه الاعتداءات الصهيونية" والتي تتمثّل اليوم بالتعدي على الثروة النفطية والغازية في الحقول الواقعة ضمن المساحة المتنازع عليها. كما شدّد هنية خلال لقائه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على "حق لبنان في استخراج الغاز من حدوده البحرية، وكف اليد الإسرائيلية عن القرصنة وسرقة الموارد". وهذا ما يفتح الباب أمام مزيد من التنسيق بين "حماس" وحزب الله في الفترة المقبلة التي تحمل في طياتها احتمال التصعيد العسكري في حال أقدم الاحتلال على استخراج الغاز من حقل "كاريش". وكانت كتائب القسّام في الفترة الماضية قد كشفت عن غرفة عمليات عسكرية مشتركة جمعتها مع قيادة من حزب الله وحرس الثورة الإسلامية خلال معركة "سيف القدس"، ويبقى احتمال إعادة تفعيل هذه الغرفة وارداً في أي تصعيد مقبل. ذلك، بالتزامن مع محاكاة "سرايا القدس" (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) ضربات بحرية حيوية خلال مناورتها "عزم الصادقين"، ما يعني أن المقاومة الفلسطينية تضع على عاتقها المواجهة بضربة استراتيجية تعطّل مشروعه الطامع بتصدير الغاز الى القارة الأوروبية إذا استمر باعتداءاته.
ثانياً، فتح الطريق نحو دمشق!
ثانياً، بعد عقد من العلاقات المتوترة والمقطوعة مع سوريا، شاعت أحاديث في الأوساط السياسية والإعلامية أفادت بأن هذه الزيارة قد تعبّد طريق "حماس" الى القصر الجمهوري في دمشق من جديد. حيث يُعتقد أن حزب الله قد يلعب دوراً يساهم في تقريب وجهات النظر بين الجانبين. فيما لم تؤكد تصريحات "حماس" الرسمية هذه الأحاديث وكذلك لم تنفها، مع عدم تحديد أيّ موعد مرتقب لزيارتها الرئيس بشّار الأسد. ولا يزال موضوع استعادة العلاقات مطروحاً على الطاولة – وهو لم يغب يوماً – خاصة وأن سوريا لا تبدّل مواقفها من القدس والقضية الفلسطينية ومن الوقوف الى جانب المقاومة، وهو ما يجعل بعض الإشكاليات السياسية محدودة التأثير وقد يتم تجاوزها.
ثالثاً، علاقات "حماس" لا تقتصر على المحور المصري، التركي، القطري
مرّ هنية بالقاهرة قبل وصوله الى بيروت، لكنّ مصر كانت قد أخّرت استقباله لأسباب ردّتها الأوساط السياسية الى أن الأخيرة "لم تُرِد استقبال هنية حالياً، خشية أن يؤثّر ذلك على توقيع مذكّرة تصدير الغاز من الكيان الإسرائيلي إلى أوروبا، وعلى برنامج زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة الشهر المقبل". لكنّ لقاءات هنية في بيروت ولا سيما مع حزب الله، قد تبعث برسالة مفادها أن "حماس" تتمتّع بفلك أوسع من العلاقات العربية والإقليمية، لا تقتصر فقط على المحور المصري والقطري والتركي، فيما لو قررت الدول الأخيرة تقويض علاقتها مع الحركة خشية على مصالحها الاقتصادية مع الكيان في الفترة المقبلة بالحد الأدنى.
رابعاً، ترتيب البيت الفلسطيني
تأتي الزيارة التي تتضمّن لقاءات مع الفصائل الفلسطينية في بيروت في إطار تفقّد وضع المخيمات وإعادة تجديد التمسّك بحق العودة ورفض التوطين. كما عقب مشاهد مسيرة الأعلام وما تركته من إشكاليات الى جانب المستجدات في الضفة الغربية والحديث عن مرحلة "ما بعد عبّاس" في رام الله. ومن المنتظر أن تساهم في ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني خاصة وأن هنية يختم زيارته بالمشاركة في المؤتمر القومي – الإسلامي بدروته الـ 31 المنعقد في بيروت.
وتعرف المادة الأولى من النظام الأساسي من المؤتمر بأنه "إطار للتحاور والتشاور بين المثقفين والناشطين في الحياة العامة من مختلف الاقطار العربية، الراغبين في تحقيق أوثق صيغ التعاون بين التيارين القومي العربي والاسلامي واقامة اقوى الروابط بين الدائرة العربية ومختلف انحاء الدائرة الاسلامية في إطار العمران الحضاري العربي والاسلامي وبمشاركة فاعلة من المسيحية المشرقية". وتحدّد المادة الثانية أهدافه المتمثّلة بـ "التوعية بأهداف المشروع الحضاري للتيارين القومي والاسلامي المتمثلة بالوحدة، وتحرير فلسطين، وسيادة النظام الشورى الديمقراطي (بما فيها حقوق الانسان والحريات العامة)، والعدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة والابداع الحضاري".
الكاتب: مروة ناصر