بشكل حازم وحاسم، ثبّت الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالأمس الخميس، معادلات الردع البحرية مع الكيان المؤقت. بعد أيام من ترقّب وانتظار اللبنانيين والعدو والصديق، لما سيكون عليه موقف المقاومة الإسلامية – حزب الله، تجاه مجيء سفينة استخراج الغاز اليونانية الى شمال فلسطين المحتلة، لكي تبدأ مهامها لصالح إسرائيل، في القسم الجنوبي من حقل "كاريش" المحتلّ، قبل أن يتم حسم الحدود فيما تسمى بالمنطقة المتنازع عليها.
لذلك فإن خطاب الأمس كان استثنائياً ومصيرياً بامتياز، لا سيما عندما أكدّ السيد نصر الله على ذلك بنفسه، من خلال تبيّينه مدى خطورة الخطوة الإسرائيلية الأخيرة، ومدى تأثيرها على الثروة الوطنية اللبنانية الحيوية للبنان، بحيث يفوق التصدّي لها مشروع تحرير الأرض بالأهمية لناحية التوقيت. واضعاً أما الدولة والقوى الداخلية أمام مسؤولياتها في الدفاع عن هذه الثروة، ومقدماً لفريق التفاوض اللبناني ورقة القوة (التي لا يفهم العالم إلّا بها)، ومحذراً الأطراف الخارجية التي تؤدي دور الوساطة (وإن كانت غير نزيهة)، من خطورة استمرار الاحتلال بخطوته الاستفزازية. ومتوعداً الأخير بوضع كل خيارات القوة على الطاولة، والاستعداد لكل التداعيات حتى لو كانت الحرب، التي نبهّهم إلى أنها ستحمل تداعيات على الكيان، تتخطى البعد الاستراتيجي لتصل الى التهديد الوجودي. وبذلك يكون السيد نصر الله قد اختصر المعادلات بجملة واحدة: الغاز للجميع أو لا لأحد.
وسرعان ما تلقى المسؤولون العسكريون الإسرائيليون هذه المعادلة، فقد أفاد أحدهم لموقع واللا العبري، بأنهم يستعدون لما وصفها بالاستفزازات من قبل حزب الله حول منصة الاستخراج في كاريش. وأنه تحقيقا لهذه الغاية، خصص الجيش قوة لجمع المعلومات الاستخبارية المركزة، وقام بزيادة عدد الطائرات بدون طيار التي تحلّق في المنطقة، بالإضافة الى تنفيذ جولات أمنية حول منطقة الحقل، من أجل التحذير مما قد يحدث وإحباط أي حدث أو الرد بسرعة عليه. مؤكداً بان على الجيش الاستعداد لسيناريوهات "متطرفة"، بدءا من محاولة مهاجمة المنصة بطائرة مسيّرة، أو محاولة استهدافها مباشرة من خلال خلية، أو حتى ضربها بصاروخ.
فخبراء الكيان الأمنيين والعسكريين يجزمون، بأن الحزب وإن لم يظهر قدراته البحرية بشكل علني كما باقي القوى ودول المقاومة، فإن لديه بالتأكيد من القدرات والمفاجآت الكثير، ولا يستبعدون في هذا الإطار، أن يمتلك صواريخ أرض بحر متطورة، أو حتى زوارق سريعة من طراز "ذوالفقار" إيرانية الصنع، وطائرات بدون طيّار انتحارية (أثبتت نجاعتها في الحرب البحرية بمنطقة الخليج بين إيران وإسرائيل)، وصولاً إلى امتلاك الحزب قوات خاصة بحرية قادرة على تنفيذ عمليات نوعية.
وبالعودة الى كلام السيد نصر الله، فإن هناك العديد من النقاط التي يجب التوقف عندها ملياً:
_ حسمه للنقاش حول حق لبنان في الخط 29، والتأكيد على ذلك، بل والكشف بأن لدى الحزب رأي آخر لو طرحه سيزيد الأمور تعقيداً (لصالح لبنان). وبالتالي فإن السيد نصر الله قد ضرب التهديدات الأمريكية غير الرسمية عرض الحائط، والتي تحدثت بأن مهمة وسيطها "عاموس هوكشتاين" ستكون محدّدة حول الخط 23 حصراً.
كما ولفت إلى عدم صحة الرأي القائل، بأن الحل سيكون فقط بإقرار المرسوم 6433، لأننا في مواجهة عدو لا يقيم وزناً او اعتباراً، للمواثيق والقواعد الدولية.
_ التأكيد على وجود أعلى جهوزية للمقاومة، بكافة أجهزتها الأمنية والعسكرية، إضافة لمسؤول ملف تنسيق المواقف مع الحلفاء ولمواكبة التطورات فيه لحظوياً، خلال فترة تتراوح ما بين شهر و3 أشهر، الفترة المقدرة لكي يتمكن الإسرائيلي من استخراج الغاز.
_ استعداد المقاومة للتعامل مع كل السيناريوهات، حتى للحرب التي من الممكن أن تصبح إقليمية. وهذا لا يعني أن الحزب يطمح إلى ذلك، بل هو للتأكيد بأن حساباتها دقيقة، وغير مبنية على الانفعال، ولذلك فإن الأيام المقبلة ستكون الأولوية لمعالجة هذا الملف عبر الطرق السياسية والدبلوماسية. وفي حال فشل ذلك، ستتم المعالجة عبر الخيارات العسكرية، التي من المرجح أن تكون متصاعدة ومتناسبة.
_ لفت النظر الى التشابه مع مرحلة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، والتي تمر ذكراه السنوية هذه الأيام، لا سيما لجهة الأهمية والتأثيرات، بينما المختلف اليوم هو وجود المقاومة القادرة.
_ توجيه الدعوة للبنانيين الى الوحدة خلف هذه القضية الكبرى، لكي تعلم إسرائيل ومن خلفها أن اللبنانيين بأغلبيتهم موحدين حول هذه الحقوق، وهذا ما يشكل عنصر قوة إضافي للبنان وللفريق التفاوضي.
فهذه الثروة الطبيعية "الكنز" هي الأمل الوحيد للبنانيين في المستقبل، من أجل معالجة كل هذه الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والحياتية والمالية والنقدية السيئة والخطيرة، لا سيما الجانب الاجتماعي منها.
الكاتب: علي نور الدين