شهران إضافيان في رصيد الهدنة التي مددت أخيراً، ترى صنعاء بالمبادرة تلك مُتنفسّاً جيداً لتخفيف وطأة الحصار والموت عن الشعب اليمني بكافة أطيافه، خاصة مع تشديدها على ضرورة صرف المرتبات المتوجبة وفتح الطرق، وبينما تنظر السعودية على أنها فرصة سانحة لإعادة ترتيب أوراقها ورأب الصدع بين ما يسمى مجلس القيادة الرئاسي والمجلس الانتقالي وغيرهم من مرتزقة الداخل، تعتقد الولايات المتحدة بأنها بتحييد الرياض وأبو ظبي عن الاستهداف، ثم اقناع "الكتلتين النفطيتين" بزيادة انتاجهما ما يخفف عبء الارتفاع المطرد للبورصات العالمية، تكون قد هيّأت الظروف المؤاتية لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة الشهر المقبل.
دون تعديل في بنود الهدنة الأولى التي بدأ العمل بها في 2 نيسان/ أبريل الماضي، ودون ضمانات أيضاً سوى بعض الالتزامات التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبرغ بالعمل على حث الأطراف للالتزام ببنود الاتفاق، تم تمديد الهدنة لشهرين إضافيين. فيما بقيت مسألة فتح الطرقات عالقة بين الوفدين المفاوضين بالعاصمة الأردنية عمان.
رئيس الوفد المفاوض العسكري اللواء يحيى الرزامي أشار إلى ان صنعاء "مستمرة في مبادرتها بفتح 3 طرق في محافظة تعز، ولا توجد اي خيارات لفتح منافذ اخرى خلال المرحلة الحالية". وتعليقاً على طلب غروندبرغ بفتح طريق رابع من الخط الرئيسي، أكد اللواء الرزامي: "لن نقدم للعدو بالمفاوضات ما لم يستطع السيطرة عليه في الحرب، وان دماء وأرواح المجاهدين لن تذهب هدراً وهي أغلى من كل شيء بما فيها الأمم المتحدة". داعياً غروندبرغ ونائبه معين شريم، "لزيارة صنعاء والتشاور حول فتح منفذ آخر غير الذي تم طرحه في مبادرة الوفد الوطني، الى جانب زيارتهم الى تعز للإطلاع عن كثب ومعاينة الواقع على أرض الميدان".
من جهته، أشار رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، مهدي المشّاط الى ان صنعاء حريصة "على فتح الطرق لتخفيف معاناة المواطنين في تعز وسائر المحافظات، التي تسبب بها العدوان ومرتزقته وتعنّتهم ورفضهم أيّ حلول تطرح". متابعاً "إذا استمر تعنت العدوان ومرتزقته في شأن فتح الطرق في تعز وسائر المحافظات، فإنّنا سنعلن عن مبادرة من جانب واحد... في حال لم تلمس لجنتنا العسكرية المفاوِضة في الأردن بوادر جديدة بخصوص الطرق المغلقة". وهو الأمر الذي ترجم عملياً على الأرض مع بدء قوات صنعاء برفع الحواجز الترابية -من جانب واحد- تمهيداً لفتح خط الستين، والذي يمتد بطول 12 كيلومتراً إلى غربي مدينة تعز، والتي تخضع بغالبيتها لقوات المجلس الرئاسي الذي شكّل برعاية سعودية.
لماذا تعز؟
يشرح الباحث اليمني فيصل علي، في مقال له نشر عام 2018، أهمية تعز بالقول "من يريد أن يحكم الشمال فتعز هي الشمال ومن يريد أن يحكم الجنوب فتعز هي الجنوب، وإذا كانت حضرموت تريد الدولة وشبوة تريد الدولة ومأرب والجوف تريدان الدولة وصنعاء وعدن تريدان الدولة فتعز هي الدولة، المعادلة واضحة سكان ووعي وجغرافيا تصل كل شرايين اليمن الكبير وفاعلية في كل الظروف ومركز الرفض والثورات".
تكتسب محافظة تعز -وهي التي تحتوي على نحو 20% من سكان البلاد- أهمية استراتيجية كبيرة في العمليات العسكرية، نتيجة موقعها الجغرافي الاستراتيجي، حيث أنها تبعد عن صنعاء نحو 256 كلم، وتطل على مناطق البحر الأحمر، كميناء المخا، الذي يعتبر بدوره حلقة وصل بالحديدة، ومن شأن السيطرة عليها المساعدة بالسيطرة على كامل المنافذ البحرية على البحر الأحمر وخليج عدن.
لهذا، فإن الإصرار السعودي على إبقاء الطرق في المدينة مغلقة، حتى امام تحركات المدنيين، تأتي من هذا الباب. وللسبب نفسه يمكن فهم إصرار قوات صنعاء على فتح الطرق وان من جانب واحد، لوضع الرأي العام اليمني أمام مشهد ميداني يكشف حجم مَن المعرقل والمستخف بمعاناة اليمنيين، الذين يضطرون إلى عبور طرق فرعية أقرب إلى خطوط التماس بين الجبهتين، وبين الجبهة الواحدة -نتيجة الخلافات المتفاقمة- التي لا تلتزم بالهدنة مع رصد متكرر للخروقات والتي تجاوزت خلال الهدنة الأولى الـ 5000 خرق.
الكاتب: مريم السبلاني