على الرغم من توسّع الكيان المؤقت في بناء البؤر والوحدات الاستيطانية، واستقدام مزيد من اليهود الى فلسطين المحتلّة مستفيداً في القوت الراهن من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بالإضافة الى حشده لتمرير طقوسه في أيام مناسبات التقويم اليهودي لإدعاء السيطرة على العاصمة القدس المحتلّة، الا أنه لم يتخلّص من معضلة عدم امتلاكه "للأرض" ومن العقد في الدّاخل اليهودي.
في مقال في صحيفة "هآرتس" العبرية، تحت عنوان "حان الوقت لأن نعود نحن اليهود إلى المنفى" يرى الكاتب الإسرائيلي مايكل بريزون أنه "ليس ثمة من خيار سوى الاعتراف بأن الصهيونية كانت خطأ ساذجاً...نحن لا نحسن أن نكون أمة، لأننا سرعان ما نصبح أغبياء وعنيفين وجشعين، وخلال وقت قصير نلحق بأنفسنا الدمار والشتات".
النص المترجم:
أنا يهودي منفي وفخور، أنا مواطن عالمي، وليس لدي أي ارتباط مع مسقط رأسي الجغرافي والأرض بالنسبة لي هي مجرد قاذورات يزرع عليها الطعام ويدفن فيها الناس، ولا تحتوي على مليغرام من القداسة، ولا تستحق سكب قطرة دم من أجلها.
اليهود يجيدون أن يكونوا شعبا، فعلى مدى ألفي عام كانوا كذلك بلا قوة، أو أرضا أو جيشا أو هيكلا. تعلمنا في عالمنا اليوم أن بقاءنا مرهونا بالتشتت جغرافيا بدلا من التجمع في نقطة جغرافية محددة. فنحن جيدون في أن نكون أقلية.
نحن لا نحسن أن نكون "أمة"، لأننا سرعان ما نصبح أغبياء وعنيفين وجشعين، وخلال وقت قصير نلحق بأنفسنا الدمار والشتات، وهناك فقط في المنفى نستعيد الإحساس الذي فقدناه، ونعود لنمارس دورنا كشعب على قيد الحياة. ها نحن نلعب دور "الأمة"، وهذا ظاهرياً هو ردنا الأبدي على الهولوكوست التي حلت بنا، لكن الواقع أن هذا استمرار للمحرقة، ليس، لا سمح الله، حرق أجسادنا، بل فقط سحق أرواحنا.
الدولة التي يجتمع بها اليهود تعاني من المتعصبين مثل "متعصبي السيكاري" و"أتباع الحاخام أكيفا المتهورين" و"تلاميذ شمعون بار كوخبا الحمقى"، لافتا إلى أن مثل هؤلاء لا يجدر أن يطلق عليهم يهود، بل هم أشباه يهود أخذوا ما هو تافه وشرير من اليهودية وحولوه إلى جوهر.
هكذا وصلنا إلى ما نحن فيه، "أمة" صغيرة متكبرة عنيفة وشريرة، ولو أن صاحب الرؤية الذي أثمرت جهوده إقامة الدولة قدر له أن ينهض من قبره ويرى نتائج رؤيته، لقفز عائداً إلى نعشه، ولطلب بإعادة رفاته إلى فيينا.
لم يعد هناك مفر من هذا المستنقع، فـ75 عاماً من العنصرية والعنف أفسدت الناخبين الإسرائيليين، ولن يتم انتخاب أي حكومة عاقلة هنا بعد الآن، وبالتالي، ليس ثمة من خيار سوى الاعتراف بأن الصهيونية كانت خطأ ساذجاً، والذهاب إلى المنفى مرة أخرى لاستعادة قوتنا ونجدد قيمنا.
أما أنا بالمنفى الآن في الأرض التي ولدت فيها، وتارة أكون أقلية ومرة أخرى عاجز بلا انتماء، وتارة ما أكون مثل البطة الشاذة، تماما كما أريد أن تكون الأمور.
المصدر: هآرتس
الكاتب: مايكل بريزون