من المؤكد أن الدولة الروسية كانت مدركة، قبل اتخاذها لقرار شن عملية عسكرية في أوكرانيا، بأنها ستتعرض لأشد عمليات الحرب النفسية، من بثٍ للأضاليل واتهامها بالمسؤولية عن العديد من الجرائم والمجازر، التي يكون فيها ما هو مفبرك أو ما لا تتحمل القوات العسكرية الروسية المسؤولية عنه. على غرار ما كان يحصل سابقاً، خلال الحرب الكونية التي شنت على سوريا، والتي اتهمت خلالها الدولة بالمسؤولية عن العديد من المجازر، بسيناريو مشابه لما يحدث الآن مع موسكو.
ففي مدينة "بوتشا"، أفادت أوكرانيا بأنه تم العثور على أكثر من 300 جثة، بعد أن غادر الجيش الروسي المدينة، والتي تقع مقابل بلدة "إيربين"في الضواحي الغربية للعاصمة كييف. وقد حاول الرئيس الأوكراني فيلودومير زيلينسكي استخدام هذه الأخبار الملفقة، بهدف التحريض، لاستجلاب ومشاركة الجيوش الغربية في الصراع.
أما الإدارة الأمريكية، فقد ساهمت في الترويج لهذه الأخبار، حين تبناها الرئيس جوي بايدن، عبر وصفه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "مجرم حرب ومذبحة بوتشا". على الرغم من أن البنتاغون لم يؤكد أو ينفي ذلك، فكل المعلومات عنها تأتي من الدولة الأوكرانية.
أما وسائل الإعلام الأمريكية، فقد التقطت هذه المزاعم وقامت بنشرها على أوسع نطاق. فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً في أحد الأيام، ضمنته صورة مأخوذة من القمر الصناعي التابع لشركة الأقمار الاصطناعية “ماكسار - Maxar"، وتزعم فيه هذه الشركة من خلال الصورة، بأن الجثث تناثرت في شوارع المدينة لأسابيع.
الرواية الأخرى لما حصل!
لكن في جانب آخر، نشرت العديد من المواقع الإلكترونية المتابعة، روايةً أخرى لما حصل في هذه المدينة، تضمنت العديد من الأدلة والبراهين، التي تفند رواية المعسكر الغربي، وهذه أبرز وأهم النقاط:
1)بالرغم من أن الجيش الروسي خرج من المدينة في الـ 30 من شهر آذار /مارس الماضي، والذي تبعه إطلالة فيديو مباشرة لعمدة المدينة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليخبر تفاصيل الانتصار بحسب زعمه. لكن اللافت أنه خلال الإطلالة، لم يذكر العمدة أي شيء عن وجود أكثر من 300 ضحية مدنية، منتشرين في جميع أنحاء الشوارع، ولم يتم الإبلاغ عنهم إلا بعد 4 أيام.
كما أن صور الضحايا أظهرت بأنهم يرتدون الشارات البيضاء في أذرعهم، والتي تعتبر علامة على تعاونهم مع القوات المسلحة الروسية.
2) في مساء يوم 4 أبريل، نشرت صحيفة نيويورك تايمز صوراً فضائية، تزعم بأنها التقطت في بوتشا في 18 آذار/مارس. وتم الاستدلال في الصور، على جثث الضحايا من خلال البقع المظلمة، وتم استخدام المنازل والسيارات المحطمة كمعالم للمقارنة. لكن لم تظهر الدليل على أن هذه الصور قد جرى التقاطها بالتاريخ الذي تم تحديده. لا سيما أنه تأكد مقتل العديد من الضحايا نتيجة لقصف مدفعي، فيما الجيش الروسي لم يقصف هذه المدينة منذ أن سيطر عليها، في شباط / فبراير الماضي.
3) أما الأكثر إثارة للشكوك، فهو أن شركة ماكسار الأمريكية، لديها مقاول رئيسي يستفيد من خدماتها في الاستخبارات الجغرافية عبر الأقمار الاصطناعية، وهي وزارة الحرب الأمريكية "البنتاغون"، حيث توفر 90 بالمائة من المعلومات الجغرافية المكانية الأساسية، التي تستخدمها حكومة الولايات المتحدة للأمن القومي. وهي تعتبر منذ 10 سنوات تقريباً، المزود الوحيد لصور الأقمار الصناعية التجارية إلى البنتاغون، حيث تتلقى حوالي 300 مليون دولار سنويًا مقابل ذلك. فما الذي يمنع من فبركة هذه الصور أو التعديل عليها، من خلال برامج تحرير الصور أو أي وسيلة ممكنة؟
4) تدعي هذه الشركة أن الصور التقطت في الـ 18 من آذار/ مارس، لكن تبين لمنصة " Rybar " الموجودة على تطبيق تلغرام، أن الصور تم التقاطها في 1 نيسان /أبريل الساعة 11 صباحًا بتوقيت غرينتش، من خلال فحص زاوية ميل الشمس فوق الأفق، في برنامج "SunCalc" القادر على معرفة الوقت الدقيق للصورة من خلال متابعته لمسارات الشمس طوال العام.
5) حالة الاغتصاب المزيفة التي ذكرتها وسائل الإعلام في الـ 6 من نيسان /أبريل، والتي أدعوا من خلالها أن شابة أوكرانية اغتُصبت وقتلت في المدينة "لمجرد أنها أوكرانية". لكن تبين فيما بعد زيف هذه القصة، بعد ظهور الفتاة " أناستازيا سافشيشين" التي في الصورة على أنها ما زالت على قيد الحياة، واعترافها بأنها نظمت جلسة التصوير هذه، كي يفهم الغربيون الوضع الحالي في بلادها.
الكاتب: علي نور الدين