من القضايا والرموز الكبرى التي أعلنها الإمام السيد روح الله الخميني، هو تحديد يوم خاص للإحياء وتجديد العهد والعمل وفق ما يقتضيه الحدث، في قضية فلسطين والقدس حيث أعلن الإمام "قدس سره" يوماً عالمياً لها، وذلك في يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك من كل عام، واللافت في هذا الإعلان عدة عناصر لا تقلّ اهمية أحدها عن الأخرى:
- جاء الإعلان بعد ستة أشهر من عودة الإمام الخميني التاريخية إلى إيران، وبعد أربعة أشهر من قيام الجمهورية الإسلامية أي في تموز من العام 1979م مما يؤكد على مدى حضور هذه القضية وعلى حيّز الأولوية الذي شغلته في فكر الإمام.
-يوم القدس، لم يكن خاصاً بالمسلمين، بل يوماً عالمياً، ولعل في ذلك إشارة إلى إعطاء الإمام للقضية بعدها العالمي، كنموذج للصراع بين الحق والباطل، وهذا ما عبّر عنه الإمام والذي سيتضح من دلالات يوم القدس.
-إعلان يوم القدس كان في شهر رمضان، وهو شهر الوحدة بين المسلمين.
-دلالة ورمزية يوم الجمعة الذي هو عيدٌ للمسلمين جميعاً، يتوجهون فيه إلى المساجد لإقامة الجماعة وأداء الجمعة، في حالة من الخشوع والتقرب إلى الله، وفي حالة من الوحدة والألفة بين المسلمين والمؤمنين.
-رمزية اليوم مع التوقيت (الجمعة الأخيرة من شهر رمضان): "أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي هي من أيام القدر ويمكن أن تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني يوماً للقدس، وان يعلنوا من خلال مراسم الاتحاد العالمي للمسلمين دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم".
دلالات وأبعاد يوم القدس العالمي
- يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين: "يوم القدس يوم عالمي، ليس فقط يوماً خاصاً بالقدس، انه يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين". ويقول الامام الراحل: "انه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أمريكا وغيرها للقوى الكبرى... انه اليوم الذي يجب أن يتجهّز فيه المستضعفون في مقابل المستكبرين ليمرغوا أنوف المستكبرين في التراب...يوم القدس، يوم يجب أن تتحدد فيه مصائر الشعوب المستضعفة، يوم يجب فيه أن تعلن الشعوب المستضعفة عن وجودها في مقابل المستكبرين... وآمل أن يكون هذا الأمر مقدمة لتأسيس حزب للمستضعفين في كل أنحاء العالم".
يوم القدس هو يوم الإسلام
بعد رمزيته العالمية والإنسانية، تأتي الرمزية الدينية للقدس، كتعبير عن مكانة الإسلام كدين إلهي يريد أن يصلح العالم وأن يرفع الظلم ويقيم العدل، وأحد الرموز الفعلية لذلك هو القدس وما تدلل عليه في عملية إحيائها وتحريرها كعملية لإحياء الدين وإقامته ونشره، ويقول الإمام الخميني بهذا الصدد: "يوم القدس، يوم الإسلام، يوم القدس، يوم يجب فيه إحياء الإسلام وتطبيق قوانينه في الدول الإسلامية. يوم القدس، يجب أن تحذر فيه كل القوى من أن الإسلام لن يقع بعد الآن تحت سيطرتهم وبواسطة عملائهم الخبثاء... يوم القدس، يوم حياة الإنسان، يجب أن يصحو جميع المسلمين وان يدركوا مدى القدرة التي يمتلكونها سواء المادية منها أم المعنوية".. "إنني اعتبر يوم القدس يوماً للإسلام ويوماً لرسول الله (ص) ويوما يجب أن نجهّز فيه كل قوانا لإخراج المسلمين من العزلة".
يوم القدس هو يوم الالتزام ونفي النفاق
بعد البعدين العالمي والإسلامي، الإنساني والديني، كان البعد التطبيقي ليوم القدس، الذي يجسّد حقيقة الالتزام بالإسلام، وواقع الانتهاج بنهجه، والاستنان بسنته والاحتكام إلى تشريعاته، يقول الإمام الخميني: "انه اليوم أي يوم القدس الذي سيكون مميزاً بين المنافقين والكثيرين فالملتزمون يعتبرون هذا اليوم، يوماً للقدس ويعملون ما ينبغي عليهم، أما المنافقون فإنهم في هذا اليوم غير آبهين أو أنهم يمنعون الشعوب من إقامة التظاهرات... إن الذين لا يحيون مراسم يوم القدس هم مخالفون للإسلام وموافقون للصهيونية".
الواجب تجاه يوم القدس
بعد إعطاء الأبعاد الحقيقية ليوم القدس، أكد الإمام الخميني على ضرورة إحياء هذا اليوم، الذي جعل له شعائر خاصة، تعبّر عن حقيقة الإحياء، فليس الأمر مجرد استنكار للظلم الناتج عن احتلال القدس، ومشروع تهويدها، إنما الأمر يتعدى ذلك إلى التحرك والنزول إلى الشارع والتعبير العملي عن الاستنكار والرفض للصهيونية وللاستكبار. يقول الإمام الخميني: "إن يوم القدس، يوم يجب أن تلتفت فيه كل الشعوب المسلمة إلى بعضها، وان يجهدوا في إحياء هذا اليوم فلو انطلقت الضجة من كل الشعوب الإسلامية في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك الذي هو يوم القدس لو نهضت كل الشعوب وقامت بنفس هذه التظاهرات ونفس هذه المسيرات، فان هذا الأمر سيكون مقدمة للوقوف بوجه هؤلاء المفسدين والقضاء عليهم في جميع أرجاء بلاد الإسلام...آمل أن يعتبر المسلمون يوم القدس يوماً كبيراً وأن يقيموا المظاهرات في كل الدول الإسلامية في يوم القدس وأن يعقدوا المجالس والمحافل ويرددوا النداء في المساجد... لو أن كل المسلمين في العالم خرجوا يوم القدس من بيوتهم وصرخوا (الموت لأمريكا، الموت لاسرائيل) فإن نفس قولهم الموت لهذه القوى سوف يجلب الموت له". هذا اليوم يجب ان يكون يوما حقيقا للتصدي لانتهاكات الصهاينة للمسجد الاقصى ولاعتداءاتهم المستمرة على اهله ...هذا اليوم يجب ان يكون يوم تصدي لقرارات ظالمة تعطي للصهاينة كل يوم حقوق غير مشروعة على هذه الارض المسروقة المغتصبة من أهلها".
لقد دأبت الجمهورية الاسلامية في إيران على تجديد العهد مع القضية الفلسطينية والمقدسات على ارض فلسطين. ولان ارض فلسطين هي ارض مقدسة وهذا الاحتفال السنوي هو تصويب للبوصلة وتذكير بعدالة هذه القضية وأحقيّتها.
الكاتب: غرفة التحرير