إن السياسة الخارجية الأمريكية في السنتين الماضيتن فضحت أكثر فأكثر الاستغلال الأمريكي لكل الظروف تلبيةً لمصالحها ولو على حساب من يعتبر نفسه "حليفاً". وقد بدا في الرياض مشهد القلق واضحاً من التخلي الأمريكي منذ انسحاب القوات الأمريكية من كابول العام الماضي، ورغبة الإدارة الأمريكية باستكمال مفاوضات فيينا للتوصّل الى اتفاق نووي مع طهران. فلجأت السعودية الى "البدائل" ومنها إحياء العلاقات مع الصين.
تشير صحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية في مقالها الى ان " تقرب السعودية من الصين، سيزيد من خسائر الولايات المتحدة الأمريكية... بكين والرياض حريصتان على تحويل التعامل باليوان الصيني، وهو ما يعني ضربة قوية للدولار الأمريكي".
النص المترجم
تقرب السعودية من الصين، سيزيد من خسائر الولايات المتحدة الأمريكية، على كل المستويات، هذا حصل بسبب تعامل إدارة بايدن الفاشل مع حليف مهم استراتيجيا.
لا تزال تفاصيل الترتيبات الجديدة المحتملة لتجارة النفط السعودية الصينية غامضة. وقد تحدّث الجانبان منذ سنوات عن تسعير بعض مبيعات النفط باليوان، وقد لا يحدث ذلك. يتم تسعير حوالي 80 ٪ من مبيعات النفط العالمية بالدولار الأمريكي، واليوان غير قابل للتحويل بحرية حيث يجب أن تكون عملة احتياطية، وعملة المملكة العربية السعودية، الريال، مرتبطة بالدولار.
الا أن بكين والرياض حريصتان على تحويل التعامل باليوان الصيني، وهو ما يعني ضربة قوية للدولار الأمريكي، مشيرة إلى أن هناك اجتماعات حصلت بين الطرفين منذ أيام لمناقشة ذلك.
التزمت السعودية في عام 1974 بإجراء تجارة نفطها بالدولار فقط مقابل ضمانات أمنية من واشنطن. لقد قوضت إدارة بايدن تلك العلاقة في كل منعطف، وبكل المقاييس، سئم السعوديون.
كان أحد أولى إجراءات السياسة الخارجية للإدارة هو إنهاء الدعم الأمريكي للحرب السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. كما أزالت التصنيف الإرهابي من الحوثيين. ثم أرجأ البيت الأبيض صفقة مقررة لبيع الأسلحة إلى الرياض - صفعة أمنية على الوجه لم يتم عكسها حتى أواخر العام الماضي.
أعاد الحوثيون هدية بايدن من خلال إرسال طائرات مسيرة وصواريخ لمهاجمة حقول النفط ومدن المملكة العربية السعودية وحليفتها الإمارات العربية المتحدة. في هذه الأثناء، يشاهد السعوديون، مذعورين، بينما يطارد بايدن صفقة نووية جديدة من شأنها أن تمنح إيران الموارد اللازمة لتمويل الحروب بالوكالة ضد المملكة العربية السعودية - حتى تحصل طهران على قنبلتها النووية.
أن الاتفاق النووي الجديد الذي يسعى بايدن لتوقيعه مع إيران، جعل السعوديين منزعجين بشكل كبير، فالاتفاق سيمنح إيران الموارد لتمويل حروب بالوكالة ضد السعودية؛ وذلك إلى حين حصول طهران على قنبلتها النووية الخاصة.
كنتيجة طبيعية لكل التصرفات السابقة، فإن السعوديين أصبحوا مدركين لضرورة البحث عن قوة دولية أخرى غير الولايات المتحدة، التي قست تجاههم بشكل ملحوظ، كما أنهم باتوا يدركون جيدا أنهم لا يستطيعون الاعتماد على الولايات المتحدة أكثر من ذلك.
تعيد إدارة الرياض الآن حساباتها، لأنها باتت شبه متأكدة من أنها لن تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة أكثر من ذلك؛ وسط عداء إدارة بايدن والانسحاب المرعب لأفغانستان، وهو ما يتجلى في رفض ولي العهد توسلات السيد بايدن لضخ المزيد من النفط؛ حيث يُقال إنه رفض حتى تلقي مكالمة هاتفية من الرئيس بايدن.
ستستفيد الصين إذا تمكنت من إقناع الرياض بأخذ اليوان مقابل النفط؛ حيث سيساعد ذلك بكين على البدء في تأسيس قواعد البناء العالمي لليوان، بما في ذلك زيادة تشتت العملة في جميع أنحاء العالم، وهذا بدوره قد يفتح الباب أمام الصين لتقديم اليوان كعملة تجارية لخصوم الولايات المتحدة مثل روسيا وإيران؛ حيث ستصبح العقوبات الاقتصادية الأمريكية أقل فعالية بكثير.
إن الخطأ السعودي الذي ارتكبه بايدن، يسلط الضوء على فشل علامته التجارية الدولية الليبرالية الصالحة. غالبا ما أعطى الرئيس ترامب اهتماما قصيرا بالقيم الأمريكية، لكن بايدن تأرجح كثيرا في الاتجاه المعاكس؛ حيث يبدو أنه ومستشاروه في السياسة الخارجية يعتقدون أن العظمة بشأن حقوق الإنسان والمناخ سيكسب اليوم لمصالح الولايات المتحدة.
أن أمريكا لا تستطيع في العصر الجديد منافسة القوى العظمى، تحمل نفرة الحلفاء الذين يمكنهم المساعدة في ردع المعتدين الاستبداديين المصممين على الإضرار بالمصالح والقيم الأمريكية. الآن تدفع الولايات المتحدة ثمن أزمة أوكرانيا بسبب فقدانها السعوديين.
المصدر: ووال ستريت جورنال