يتابع الخبراء والمحللون العسكريون بدّقة، تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، خصوصاً فيما يتعلق بالخيارات المفتوحة أمام الإدارة الأمريكية، المحرض الرئيسي التي تسببت باندلاعها.
ووفقاً للخبير العسكري "دانيال ر. ديبتريس - Daniel R. DePetris"، الكاتب في موقع "ديفينس بريوريتيز - Defense Priorities "، وكاتب العامود بالشؤون الخارجية في مجلة "نيوزويك"، فإن خيار الإدارة الأمريكية بدعم ما يوصف بحركة تمرد أوكرانية (أي مجموعات مقاتلة بتكتيك حرب عصابات)، سيكون ذو تداعيات مكلفة وخطيرة، مفنداً ذلك في هذا المقال.
النص المترجم:
بعد ما يقرب من أسبوعين من الحرب في أوكرانيا، لا يزال الجيش الروسي في ضواحي المدن الكبرى في البلاد. على الرغم من "المقاومة الأوكرانية" المثيرة للإعجاب، هناك اعتراف في واشنطن، بأنه من غير المرجح أن تصمد أوكرانيا على المدى الطويل. وتناقش إدارة "بايدن" الخيارات المتاحة لحكومة أوكرانية في المنفى، في حال مقتل الرئيس "فولوديمير زيلينسكي"، أو أسره أو إجباره على الفرار من كييف. كما تناقش واشنطن أيضًا، ما إذا كانت ستسلح تمردًا أوكرانيًا ناشئًا ضد "الاحتلال الروسي".
ومع ذلك، تحتاج إدارة "بايدن" إلى التفكير طويلاً وبجدّ، قبل الانغماس فيما قد يكون حربًا دموية طويلة بالوكالة ضد موسكو. والتحليل غير العاطفي والواضح للتكاليف والفوائد، هو أمر سليم.
من السهل الاعتراف بفوائد دعم التمرد الأوكراني، فهناك مصلحة في مساعدة الأوكرانيين على الدفاع عن أنفسهم ضد "المعتدي". والولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو يدعمون كييف بالفعل، بشحنات كبيرة من الأسلحة والذخيرة. فقد تم تسليم حوالي 17000 سلاح مضاد للدبابات، إلى القوات الأوكرانية في أقل من أسبوع. لذلك فإن الحفاظ على هذه الإمدادات، بعد انتصار عسكري افتراضي لروسيا، سيكون مجرد استمرار للسياسة الحالية.
إن التمرد المسلح من قبل الولايات المتحدة، من شأنه أن يقيّد الجيش الروسي في طريق مسدود طويل ومكلف للغاية. من المرجح أن تواجه القوات الروسية صعوبة، في إغلاق الحدود الغربية لأوكرانيا، عندما يتم احتلال الجزء الأكبر من قواتها، مع الحفاظ على النظام في بلد يزيد عدد سكانه عن 40 مليون نسمة. إن إحباط أهداف روسيا في أوكرانيا، من شأنه أن يجبر الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" على تكريس المزيد من الموارد للصراع، مما يستنزف القوة العسكرية لموسكو، ويستنزف الاقتصاد الروسي المحدود بالفعل.
ومع ذلك فإن تكاليف دعم "التمرد"، لا ينبغي التغاضي عنها:
أولاً، هناك عدم تماثل في المصالح بين الأطراف، فالاصطفاف الجيوسياسي لأوكرانيا، بصراحة، أهم بكثير بالنسبة لروسيا منه بالنسبة للولايات المتحدة والغرب. والقوى الكبرى لا تتسامح مع الجيران الخصوم. وبالنسبة للكرملين، فإن انجراف أوكرانيا بقوة في المدار الغربي هو خط أحمر، يستعد الروس لمنعه بكل الوسائل المتاحة لهم. حتى أن البعض أشار إلى أن أوكرانيا الموالية للغرب، تمثل تهديدًا أمنيًا وجوديًا لروسيا. أي دولة مستعدة للتضحية باقتصادها، مستعدة للذهاب إلى أبعد الحدود للحفاظ على توازن ملائم للقوى.
ثانيًا، تستغرق حركات التمرد وقتًا طويلاً في العمل (إذا نجحت من الأساس). إذا افترضنا أن واشنطن تتخذ قرارًا بدعم التمرد المناهض لروسيا في أوكرانيا، فسيتعين عليها مواصلة العمليات لسنوات، إن لم يكن عقودًا. وقد استغرق الأمر عشرين عامًا، حتى نجحت طالبان في تمردها، وأكثر من 25 عامًا لسريلانكا لهزيمة "نمور التاميل". مع مرور كل عام، يأتي المزيد من الموت والدمار لأوكرانيا نفسها.
ثالثًا، حركات التمرد مؤلمة للغاية بالنسبة للسكان المدنيين، وكلما طال أمدها، كان أسوأ من حيث الخسائر والأضرار. غالبًا ما يُنظر إلى التمرد المستمر منذ عشر سنوات ضد القوات السوفيتية في أفغانستان، على أنه مثال ذهبي للتمرد ناجح، لكن هذا النجاح جاء بثمن باهظ للشعب الأفغاني. ولجأت القوات السوفيتية، المحبطة من المقاومة، إلى القصف المكثف لقرى أفغانية بأكملها، لتخويف السكان وإجبارهم على الخضوع. في إحدى حملات القصف هذه في العام 1983، قُتل آلاف المدنيين بعد أن استخدمت خمسون طائرة سوفيتية القوة الجوية، لتدمير مدينة هرات الغربية. بحلول الوقت الذي انتهت فيه الحرب، كانت أفغانستان دولة محطمة لا آفاق لها. حيث تم تدمير نصف قطاعها الزراعي، وهدم ثلث قرى البلاد، وقتل ما لا يقل عن مليون أفغاني. هل الولايات المتحدة على استعداد لإجراء نفس النتيجة في أوكرانيا، حيث تصعّد روسيا من استخدامها للقوة، إلى مستويات أعلى ردًا على تدفق الأسلحة الأمريكية؟
رابعًا وأخيرًا، هناك خطر كبير يتمثل في قيام تمرد في أوكرانيا، يدفع الحرب إلى ما وراء حدود أوكرانيا.
فلكي تزود الولايات المتحدة المقاتلات الأوكرانية، سيتعين على واشنطن استخدام دول مثل رومانيا وبولندا كمناطق انطلاق. بدون ملاذ آمن في دولة مجاورة، فإن التمرد ضد روسيا ببساطة، غير قابل للتطبيق.
ومع ذلك، فمن المرجح أن ترد روسيا باعتراض خطوط الإمداد تلك. ولن يكون هذا جديدًا، في حرب مكافحة التمرد. فخلال حرب فيتنام، قصفت الولايات المتحدة قواعد "الفيتكونغ" الآمنة وعقد النقل، في كمبوديا ولاوس، للحد من عدد الرجال والمعدات التي تصل إلى الجبهة. واستهدفت الولايات المتحدة بشكل متكرر، مقاتلي طالبان في باكستان المجاورة، في كثير من الأحيان، من خلال استخدام طائرات بدون طيار مسلحة. سيكون من الخطير والمتهور الافتراض، أن الجيش الروسي لن يقوم بعمليات عسكرية مماثلة عبر الحدود، لتعطيل التمرد الأوكراني. لكن الاختلاف الوحيد سيكون: أن تعطيل تلك العمليات في رومانيا وبولندا، قد يخاطر بوقوع صراع مباشر بين روسيا والناتو.
مع تعزيز روسيا لموقعها في أوكرانيا، قد يبدو خيار دفع القوات الروسية الى المستنقع، خيارًا منخفض التكلفة. لكن العدو يحصل على تصويت، وهناك فرصة جيدة لأن تصوت روسيا لصالح مزيد من التصعيد، وليس أقل.
المصدر: Task & Purpose
الكاتب: غرفة التحرير