على الرغم من بعض الفتور في العلاقات التركية الإسرائيلية خلال عهد الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، إلا أنه لم يحدث قطيعة فعلية بين الطرفين. ففي الوقت الذي يندد فيه الرئيس التركي تضامنه مع القضية الفلسطينية ويقدّم نفسه عدّوًا لكيان الاحتلال في العلن إلا أن الوقائع والوثائق تؤكّد أنّه من أكبر داعمي هذا الكيان في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
تقول دراسة صادرة عن مجلس سياسة الشرق الأوسط، إنّ الدعم الأمني والعسكري الذي قدمه أردوغان للجيش الإسرائيلي بكل قواته الجوية والبحرية والبرية، وفي مجال المعلومات والاستخبارات والتصنيع العسكري، يعد صادماً لكل من دغدغ أردوغان آذانهم ومشاعرهم بأنه السلطان العثماني المدافع عن حقوق العرب والفلسطينيين.
وفي آذار 2022، تحضّر أنقرة نفسها لاستقبال رئيس كيان الاحتلال إسحق هرتسوغ، زيارة "علنية نادرة" وصفها أردوغان بأنها "فرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين تركيا وإسرائيل".
تستعرض هذه الورقة أشكال الدعم المخفي الذي قدمه أردوغان للكيان المؤقت، وخفايا استئناف تطبيع العلاقات التركية مع هذا الكيان بشكل علني، وعلاقته بالتوازن في المنطقة، وبمشاريع أنقرة المتعلقة بالغاز والبترول.
أولًا: أشكال الدعم المخفي التركي لصالح كيان الاحتلال
-دعم أردوغان لبناء مستوطنات اسرائيلية
تؤكد مفردات التعاون التي صاغها أردوغان مع كيان الاحتلال أنه كان ولا يزال السند الأقوى له في المنطقة، وأن ما قام به خلال سنوات حكمه شكل "الكنز الاستراتيجي" لهذا الكيان.
-تم إرسال ملايين الأطنان من الإسمنت والحديد التركي إلى الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لبناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس والشرقية حتى أصبحت تستوعب 650 ألف مستوطن إسرائيلي.
-التدريب على قصف غزة
نظراً لضيق أجواء الإسرائيلية والتوتر بين كيان الاحتلال والدول العربية المجاورة له، كان الكيان بحاجة دائمة لأجواء واسعة حتى يتدرب على قصف الأهداف الصغيرة والدقيقة في قطاع غزة، وظهرت هذه الحاجة الإسرائيلية بعد انسحاب الكيان من القطاع عام 2005، لذلك وقبل أن تنسحب من القطاع استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون نظيره التركي أردوغان في الكيان، وتم توقيع اتفاقية بينهما تسمح فيها تركيا بتمديد تدريب أعداد كبيرة من الطيارين الإسرائيليين على دقة التصويب في صحراء الأناضول وقاعدة قونية.
وحتى في السنوات التي يكون فيها الهدوء سيد الموقف بين الكيان والمقاومة الفلسطينية يرسل الكيان الطيارين للتدريب على دقة الهجوم والقصف، مستفيدة من الأجواء التركية الواسعة، وبالفعل شارك الطيارون الإسرائيليون، الذين تلقوا تدريبات في تركيا في حروب الكيان الثلاث في قطاع غزة، وهو ما يؤكد أن تركيا لعبت دوراً كبيراً لصالح الكيان في حروبها رغم بكائيات أردوغان على أطفال غزة في الخطابات الشعبوية التي ينخدع به فقط من لا يعرفون تاريخ العلاقات التركية- الإسرائيلية ولا يعرفون تاريخ أردوغان مع "إسرائيل".
ووفق هذه الاتفاقية التي نشرتها أكثر من مرة وزارة الحرب الاسرائيلية فإنه يجري تدريب الطيارين الإسرائيليين 8 مرات سنوياً، ويفتح هذا الاتفاق المجال للطيارين الإسرائيليين للتدريب على الطيران لمسافات طويلة فوق البر التركي، كما يفتح أمامهم المجال لإجراء رمايات بالذخيرة الحية في حقل الرماية بمنطقة قونية. وعندما حاول أردوغان إطلاق بعض التصريحات العنترية عام 2016، قالت وزارة الحرب الاسرائيلية في بيان رسمي إنه حتى المنتجات الغذائية التي يستخدمها جيش الكيان مستوردة من تركيا، وإن أردوغان بنفسه هو من حضر توقيع هذه الاتفاقية مع حكومة شارون.
-تهريب النفط
وفق موقع TankerTracker.com، فإن تركيا لعبت دور الضامن الأول لتوريدات النفط للكيان وجيشه خلال العقدين الأخيرين. وقبل ظهور تنظيم "داعش" الوهابي الإرهابي في سوريا والعراق كان نفط شمال العراق يتم تهريبه عبر شاحنات إلى تركيا خصوصًا إلى ميناء جيهان التركي، وتقوم السفن التركية بتحميل النفط العراقي إلى المياه الدولية أمام السواحل الفلسطينية المحتلة، وتقوم بعد ذلك بإطفاء نظام التتبع، وبعد دخول الموانئ الإسرائيلية وتفريغ حمولتها تعود إلى المياه الدولية، ومنها إلى جزيرة قبرص، وتعيد السفن التركية هذه الدورة بعد ذلك خوفًا من افتضاح أمرها.
واستمر هذا الدور التركي بعد ظهور "داعش" وسيطرته على أجزاء واسعة من شمال العراق وسوريا، ولعب أردوغان دور الوسيط في توريد النفط الذي يهربه "داعش" من سوريا والعراق لميناء أشدود الواقع تحت سيطرة كيان الاحتلال وذلك وفق خدمة "تتبع السفن" التي تقدمها وكالة "رويترز"، والتي قالت في قصة حصرية: "إن السفن التركية تنقل البترول الداعشي الرخيص من تركيا لميناء أشدود في الكيان، وهو ما يعنى عمليًا أن الدبابات الإسرائيلية تدور محركاتها بالبترول التركي القادم من ميناء جيهان التركي."
-سياحة بدون تأشيرة
قال بيان لوزارة السياحة الاسرائيلية في 29 كانون الثاني/ يناير 2020 إن تركيا هي الوجهة المفضلة للسياح الإسرائيليين، حيث سجلت حركة السياحة الإسرائيلية إلى تركيا رقماً قياسياً في 2019، فهناك 12 رحلة جوية يومياً بين أنقرة وتل أبيب، وقبل تفشي "كورونا"، بلغ عدد السياح الإسرائيليين، الذين زاروا تركيا نحو 650 ألفاً، ما يشكل ارتفاعاً بنسبة أكثر من 25% مقارنة بعام 2018، بينما سجلت الخطوط الجوية التركية زيادة في عدد المسافرين بين مطاري تل أبيب وأتاتورك في إسطنبول بنسبة 17.62% عن العام السابق، ووصفت وزارة السياحة الاسرائيلية الخطوط الجوية التركية بأنها "أهم ناقل جوي من وإلى الكيان بعد شركة إلعال الإسرائيلية"، حيث تنقل الخطوط الجوية التركية أكثر من مليون مسافر إلى الكيان. وقد عزز أردوغان ذلك بقرار يسمح للإسرائيليين بدخول تركيا من دون تأشيرة، وفق منشور من القسم القنصلي بوزارة الخارجية الإسرائيلية.
-استخدام القواعد العسكرية
لعل من المؤكّد أنّ الهدف الرئيسي من الضجيج الذي يصدره أردوغان والجماعات التي تدور في فلكه، ضد أي دولة تقيم علاقات مع الكيان المؤقت، التغطية على التعاون العسكري بين أنقرة وتل أبيب. ووفقًا لقاعدة بيانات حلف الناتو، ومذكرات التفاهم والاتفاقيات العسكرية التي نشرتها وزارة الحرب الاسرائيلية، فإنّ الكيان يستخدم ثلاث قواعد عسكرية في تركيا هي قاعدتان جويتان في قونية وإنجرليك.
فضلاً عن بناء قاعدة للإنذار المبكر في كوراجيك بمدينة ملاطيا، فيما ذكرت صحيفة "جيروزليم بوست" الإسرائيلية حينها، أنّ هدف هذه القاعدة هو حماية أمن الكيان من خلال التجسس على الدول المعادية له، وتقديم المعلومات بسرعة لتحليلها. ويعد فتح القواعد العسكرية التركية أمام الكيان المؤقت استكمالاً لاتفاق "الميثاق الشبح" الذي وقعته تركيا مع الكيان في خمسينيات القرن الماضي أثناء زيارة بن غوريون لأنقرة، وحصلت بموجبه الكيان على معلومات استخباراتية ثمينة عن الدول العربية.
-اعتراف خفيّ بأن "القدس عاصمة اسرائيل"
حرص أردوغان على لقاء جميع زعماء الكيان الصهيوني الذين عاصروه بداية من أرئيل شارون ثم إيهود أولمرت، فضلاً عن لقاءات عدة داخل وخارج الكيان مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. إلّا أنّ أكثر اللقاءات إثارة كان مع شمعون بيريز في قلب مدينة القدس المحتلة، إذ تُظهر صور المقابلة، أن اللقاء كان بفندق الملك داوود في القدس المحتلة. ولذا يعتبر الكيان زيارة أردوغان أول اعتراف دولي بالقدس عاصمة لها. ولعل اعتراف أردوغان هذا سبق قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في كانون الأول/ ديسمبر 2017، فيما يؤكّد الاعتراف التركي الفعاليات والأنشطة الثقافية والاقتصادية والمعارض التركية في القدس والتي تنتشر أخبارها في الصحف الإسرائيلية بشكل يومي. وفي إحدى استقبالاته لأردوغان قال له شارون "أهلاً بك في القدس عاصمة للشعب اليهودي"، ولم ينطق أردوغان بأي كلمة اعتراض. ولعل أكبر دليل على اعتراف أردوغان بالقدس عاصمة للكيان، هو نص وثيقة التصالح بين الكيان وتركيا التي سبق لجريدة زمان التركية نشرها عقب الضجّة الإعلامية التي أثارها أردوغان على خلفية حادثة سفينة مرمرة، إذ أكّدت فقرة في الوثيقة، أنّ توقيعها تمّ في القدس.
أردوغان حاصل على ميدالية "الشجاعة اليهودية"
في سياق تأكيد عمق العلاقات بين الرئيس التركي رجب أردوغان وقادة الكيان، نقلت صحيفة زمان التركية، على لسان رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، قوله في مؤتمر خاص عقد في 2007 بمركز أبحاث الاقتصاد والاجتماع في تركيا، إنّ أردوغان حصل في العام 2002 على منصب "رئاسة مشروع إسرائيل الكبرى"، ورئاسة مشروع الشرق الأوسط، وبعد ذلك حصل على ميدالية الشجاعة اليهودية من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. وأكّدت تصريحات أربكان أنّ العلاقات الإسرائيلية التركية اكتسبت دفعة قوية وزخمًا خاصًا مع تولي أردوغان الحكم في العام 2002، إذ نقل أردوغان العلاقات مع تل أبيب إلى آفاق عسكرية وسياسية وسياحية وثقافية لم تشهدها منذ اعتراف تركيا بكيان الاحتلال في العام 1949. ووصل التبادل التجاري السنوي بين الكيان وتركيا، إلى أكثر من 4.2 مليارات دولار في العام 2019، وفق بيان صادر عن وزارة التجارة الكيان المؤقت في فبراير 2020.
ثانيًا: خفايا استئناف تطبيع العلاقات التركية مع الكيان المؤقت بشكل علني
1-نوع جديد من "التوازن" في المنطقة عبر "تل أبيب":
اللافت في حديث إردوغان إلى هرتسوغ هو توقيته الزمني، والذي يصادف التحركات الإقليمية، ومحورها سوريا، حيث التحركات العربية للمصالحة معها. فبعد أن فشلت مساعي الرئيس التركي للمصالحة مع القاهرة والرياض، ولم يحقق اتصاله الهاتفي بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد أهدافه المرجوة، على الأقل حتى الآن، يبدو أن أنقرة تريد لحوارها الجديد مع الكيان المؤقت أن يحقق لها نوعًا جديدًا من "التوازن" في المنطقة.
يأتي ذلك بعد أن اخترق الكيان عدداً من أنظمة المنطقة الرئيسية، عبر اتفاقيات التطبيع، وفي مقدمتها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وبعد المصالحة مع مصر والأردن وسلطنة عمان، بينما تحدّثت وسائل إعلام الكيان عن دور الأخير المحتمل في المرحلة المقبلة في ليبيا، وذلك عبر العلاقة بأطراف متعددة، ومنها خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي.
أردوغان، الذي سبق له أن اتصل بهرتسوغ في 12 تموز/يوليو الماضي، ليهنئه بمناسبة انتخابه رئيساً لـ"للكيان"، أكد لنظيره الإسرائيلي "الأهمية والضرورة لإعادة ترسيخ ثقافة السلام والتسامح والعيش المشترك في المنطقة"، مضيفاً أنّه "إذا تحركنا في إطار التفاهم المتبادَل، فسيتسنى لنا تجاوز الخلافات في وجهات نظرنا حيال القضايا الثنائية الإقليمية"، معتبراً أن "استمرار الحوار بين إسرائيل وتركيا هو لمصلحة الطرفين".
2- تعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة
عند الحديث عن العلاقات التركية - الإسرائيلية، لا يمكن إغفال كل من الجانب الاقتصادي والتجاري والسياحي، ودور كل منها في تعزيز تلك العلاقات، ولاسيما عندما يدور الحديث عن المشاريع العالمية الكبرى، والمرتبطة بمجال الطاقة. وبالإضافة إلى ذلك، يُعتبر التعاون، في المجالين الأمني والعسكري، بمثابة ركيزة أساسية في العلاقات بين الطرفين. ففي السياسة جانب معلن، لكن الاقتصاد والتجارة أمر مغاير، فثمة علاقات اقتصادية تركية – إسرائيلية ذات دلالات خاصة، فلم تشهد تلك العلاقات، في شقيها التجاري والعسكري، أي تراجع أو تأثر. على سبيل المثال، تُعتبر تركيا الدولة الأولى تصديراً للإسمنت والحديد إلى الكيان المؤقت وصدَّرت لها مليون طن من الإسمنت خلال عام 2017. كما أن الكيان استورد 9.8 مليون طن من الإسمنت من تركيا، من أصل 16.9 مليون طن، مجمل ما استوردته خلال الأعوام الـ15 الأخيرة، أي 59% من مجمل ما تستورده.
فمنذ سنوات طويلة تسير العلاقات التركية- الإسرائيلية على مبدأ "فصل الاقتصاد عن السياسية"، في معادلة تثبت أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك ربط بين التصريحات السياسية بشتى أصنافها "اللاذعة" أو "السلسلة" مع حجم التبادل التجاري بين دولتين معينتين.
فبلغة الأرقام تؤكد البيانات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء التركي TUIK وجمعية المصدرين الأتراك والبنك المركزي CBRT أن العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين تركيا والكيان لم ينقطعا أبدًا، بل على العكس يزداد، ويقابله أيضًا تصاعد في حجم الاستثمارات المباشرة المتبادلة بين البلدين. في عام 2020 صدّرت تركيا 4.7 مليار دولار إلى الكيان. وبهذا الرقم احتلت الأخيرة المرتبة التاسعة بين الدول التي تصدر له تركيا أكثر من غيرها.
في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021 ارتفعت صادرات تركيا إلى الكيان إلى مليار و851 مليون دولار، بزيادة قدرها 35 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وأصبح الكيان الدولة الثامنة لصادرات تركيا في هذه الفترة.
في عام 2011 بلغت صادرات تركيا إلى الكيان 2.4 مليار دولار، واحتل المرتبة 17 في صادرات تركيا. في عام 2002 عندما وصل حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة كانت صادرات تركيا إلى الكيان عند مستوى 850 مليون دولار سنويا. زاد الرقم 4.5 مرات في 18 عامًا تقريبًا.
وبلغت واردات تركيا من الكيان 1.5 مليار دولار في عام 2020. وبحسب الأرقام التي اطلع عليها موقع "الحرة" فقد بلغ حجم التجارة الخارجية بين تركيا والكيان عام 2020، 6.2 مليار دولار. وفي إجمالي واردات الكيان لعام 2020، فقد احتلت تركيا المرتبة الرابعة بنسبة 6.2 % بعد الصين والولايات المتحدة وألمانيا. واحتلت الصين المرتبة الأولى بقيمة 11.6 مليار دولار من واردات الكيان في عام 2020، بينما في الصادرات الإسرائيلية فقد احتلت تركيا المرتبة الثامنة في عام 2020.
ولا تقتصر الصادرات التركية إلى الكيان على أصناف محددة دون غيرها، بل تشمل كل من الحديد والصلب والمنسوجات والمركبات البرية والبحرية والجوية، بالإضافة إلى منتجات السيراميك والزجاج والمادة الأساسية في تصنيعها وهي الإسمنت. ما سبق يؤكده رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية DEIK، إبراهيم سنان، حيث قال في تصريحات له في الثامن من أيار/ مايو 2021: "زادت الصادرات من الكيان إلى تركيا بنسبة 85 % في المنتجات الزراعية و49 % في منتجات الصناعات الكيماوية، وذلك في الربع الأول من عام 2021". بينما زادت الصادرات من تركيا إلى الكيان بنسبة 31 % في نفس الفترة، وانخفضت الصادرات البرية والبحرية بنسبة 62 %، بحسب حديث سنان لوكالة "الأناضول"، في 8 مايو 2021.
وأشار المسؤول إلى نقطة لافتة بالقول: "هناك زيادة بنسبة 22 % في منتجات الإسمنت والأسبست (مواد عزل الأبنية) والجبس والسيراميك والزجاج"، جميعها مواد تدخل في صلب عمليات البناء. ويحتل الكيان المرتبة الأولى في صادرات صناعة الصلب التركية لعام 2021، استنادًا إلى بيانات وزارة التجارة التركية و"جمعية المصدرين الأتراك".
وتوضح البيانات التي اطلع عليها موقع "الحرة": "بينما صدرت صناعة الصلب التركية 5.5 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، احتل الكيان المرتبة الأولى في المبيعات بنسبة 389.5 مليون دولار". وفي الفترة الممتدة من يناير 2021 إلى شهر أبريل ارتفعت صادرات هذا القطاع إلى الكيان في بنسبة 38.7 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى الرقم المذكور سابقًا (389.5 مليون دولار).
في حين يتم تصدير مواد كيميائية بقيمة 505 مليون دولار إلى الكيان، وملابس جاهزة بقيمة 359 مليون دولار، وأثاث منزلي بقيمة 310 ملايين دولار، إلى جانب الاسمنت بقيمة 273 مليون دولار.
3-استثمارات إسرائيلية داخل تركيا
وفقا لبيانات البنك المركزي CBRT بلغت الاستثمارات المباشرة في تركيا من قبل الإسرائيليين 770 مليون دولار بنهاية عام 2019. هذا الرقم كان أكبر من ذلك في عام 2010 إذ بلغت قيمة استثمارات الشركات الإسرائيلية في تركيا 997 مليون دولار. الرقم المذكور كان 49 مليون دولار في عام 2002 عندما تولى حزب "العدالة والتنمية" السلطة. انخفض إلى 11 مليون دولار في عام 2005، ووصل إلى 997 مليون دولار في 2010، بينما تجاوز مليار دولار في عام 2017.
في المقابل بلغت قيمة مخزون الاستثمارات المباشرة التي قام بها سكان تركيا في الكيان 105 مليون دولار في عام 2019.
وبحسب تقارير إعلامية تركية حديثة، بينها لصحيفة "سوزكو" المعارضة فتقول إن "الشركات التركية تلعب دورًا مهمًا في استثمارات الطاقة للقطاع الخاص في الكيان". ومن جانب آخر فقد حطم عدد السائحين القادمين إلى تركيا من الكيان الرقم القياسي للدولة بـ 569 ألفا في عام 2019. بلغ العدد 558 ألف في 2008، وانخفض ليصل إلى 79 ألف في عام 2011، وصولا إلى 293 ألف سائح في 2016. لكن ومع انتشار وباء "كورونا" في العالم انخفض رقم السياح الإسرائيليين المذكورة، خاصة وأن ذلك رافقه قرار من وزارة الصحة الإسرائيلية بحظر السفر إلى تركيا والهند والبرازيل وأوكرانيا وإثيوبيا والمكسيك وجنوب إفريقيا بسبب ارتفاع عدد الحالات.
4- استغلال ورقة حماس
يعبّر الخبراء الإسرائيليين عن قلقهم المتزايد جراء الادعاءات الإسرائيلية حول النشاط المتزايد الذي تقوم به حركة حماس على الأراضي التركية؛ حيث تعتبر ان حركة "حماس" في إسطنبول تُسهم في تمويل نشاطات الحركة وإدارتها ودعم العمليات العسكرية داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر هيئات ومؤسسات وشخصيات بارزة في "حماس"، وتتخذ من تركيا مقراً لها؛ الأمر الذي دفع الإسرائيلي الى التقارب مع تركيا لمناقشة هذه الورقة.
5- فرصة للتعاون في مشاريع نقل غاز شرق المتوسط نحو أوروبا
في 18 كانون الثاني/ يناير2022، تلقى كل من الكيان واليونان "ضربة قوية"، بسبب قرار الإدارة الأمريكية وقف دعم مشروع خط أنابيب الغاز شرق المتوسط "إيست ميد"، الذي كان سيتجاوز تركيا ويوصل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا.
وبررت الإدارة الأمريكية انسحابها من دعم المشروع الإسرائيلي اليوناني، بصعوبة تنفيذه وتكلفته الكبيرة، إذ كشفت واشنطن عن "مخاوفها" بشأنه في "مراسلات دبلوماسية غير رسمية" مع أطراف الاتفاقية، فيما اعتبرت الصحف اليونانية أن ما حصل "انتصار للدبلوماسية التركية".
من جهتها، رحبت تركيا بالانسحاب الأمريكي من المشروع، وقال أردوغان تعقيبًا على ذلك، في مقابلة تلفزيونية، في 26 يناير/كانون الثاني، إن "واشنطن انسحبت، لأنها لم ترَ في المشروع ما كانت تتوقعه من حيث التكلفة والفائدة التي ستعود عليها"، مشيراً إلى أن "الكيان اتخذ بعض الخطوات المتعلقة بالتعاون شرقي المتوسط، وتركيا بدورها مستعدة لاتخاذ الخطوات اللازمة أيضاً معها".
وسبق هذا التصريح بنحو أسبوع، تأكيد أردوغان أن بلاده "مهتمة بنقل الغاز الإسرائيلي عبر أراضيها"، وقال الرئيس التركي في حديث للصحفيين، في 18 يناير/كانون الثاني، إن بلاده مهتمة بـ"استئناف المحادثات مع الكيان بشأن نقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا"، مضيفاً: "إذا نُقل الغاز إلى أوروبا، فلن يتم ذلك إلا من خلال تركيا".
خارطة لمقترح سابق لمد أنبوب غاز إسرائيلي نحو أوروبا عبر تركيا
وذكر أردوغان أن الكيان وتركيا أجرتا عدة محادثات لنقل الغاز الإسرائيلي عبر تركيا قبل الآن، مشيراً إلى أن الجانب الإسرائيلي على مستوى الرئيس ورئيس الوزراء، يبعث برسائل في هذا الشأن إلى تركيا، وأن أنقرة لاتزال حريصة على العمل مع الكيان حول ذلك.
وقد تفتح زيارة الرئيس الإسرائيلي لأنقرة في شباط/ فبراير القادم، والتي تحدث عنها أردوغان، صفحة جديدة في العلاقات بين الطرفين، يكون عنوانها الرئيسي التعاون بين الطرفين في مشروع نقل الغاز عبر المتوسط إلى أوروبا.
إذًا نستنتج بعد هذا العرض التفصيلي أن تركيا ستعيد علاقاتها الودية مع الكيان المؤقت بشكل علني والتي في الأساس لم تنقطع نهائيًّا في الفترة الماضية، فإزدواجية المواقف والتصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب أردوغان، واستخدامه سياسة "الغموض"، التي تلعب على حبلي السر والعلن، لم تعودا خافيتين على أحد، فكثيراً ما تباكى أردوغان على أوضاع الشعب الفلسطيني خصوصاً خلال الحروب الإسرائيلية الثلاث ضد قطاع غزة، وهدد مراراً وتكراراً بإنهاء أو تخفيض مستوى علاقات بلاده مع الكيان بسبب حروب غزة، لكن كل ذلك لم يتعد الاستهلاك الداخلي والمواسم الانتخابية ومقتضيات مساعيه لينصّب نفسه السلطان العثماني. ولكن يمكن القول أن هذه العلاقات لا يمكن أن تصل مرة أخرى الى درجة التحالف، فلا ننسى الصراع الأيديولوجي والتنافس الحاد الحاصل بين مشروع "العثمانيون الجدد" و المشروع الإسرائيلي الاستعماري.
الكاتب: غرفة التحرير