لم يكن مفاجئاً وصف المحلل السياسي في قناة "الـ 12 العبرية" ايهود يعاري لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بـ "صديقنا في حرب لبنان الأولى" – فهذا بات معروفاً عن جعجع - في سياق تدخّله وتعليقه على مشهد الاستحقاق النيابي في منتصف شهر أيار المقبل، الا ان اللافت هو المراهنة الإسرائيلية على خسارة التيار الوطني الحر لنصف مقاعده، حتى يتمكن جعجع من تحصيل المقاعد!
حيث أن القوات اللبنانية تدخل الى انتخابات 2022 دون استراتيجية وبرنامج انتخابي واضح، بحسب ما تؤكد الصحافية رولى إبراهيم في حديثها لـ "كلوب هاوس الخنـادق". ويظهر ذلك جلياً من خلال اعتماد "القوات" على الخطابات الشعبوية الديماغوجية التي ترتكز في أساسها على الكلام الطائفي والتحريضي، فتارة تصوّب على التيار الوطني الحر وتحالفاته لتقدّم نفسها الحزب الأول في الشارع المسيحي، وتارة أخرى في التحريض ضد حزب الله لتحميله مسؤولية الأزمات القديمة – الجديدة المتراكمة في البلد.
ماذا قدّمت "القوات" من انجازات حتى ينتخبها اللبنانيون؟!
من ناحية المشروع الاقتصادي الذي بات على رأس سلّم أوليات الشعب اللبناني بكّل اختلافاته السياسية والحزبية والمذهبية، فان القوات لا تقدّم اليوم مشروعاً إصلاحيّاً واضح البنود والأهداف، وترشيح غسّان حاصباني المتهم بالفساد نموذجاً.
فحاصباني خلال فترة توليه حقيبة وزارة الصحة في العام 2018 كان متهماً بالمتاجرة بأصول الدولة اللبنانية، وبكونه داعماً لسياسة الخصخصة، وبإضعاف القطاع الاستشفائي من خلال خفض السقوف المالية المقدّمة من الدولة للمستشفيات العامة والخاصة، وساهم في رفع سعر الدواء لصالح جيوب الصيادلة (زيادة 750 ليرة على كل دواء يتجاوز سعره الـ 23000 حسب سعر الصرف السابق 1500 ليرة للدولار الواحد).
وتكتفي "القوات" ببيع الأوهام للشعب اللبناني والمسيحيين خصوصاً، حيث ادعى جعجع ان انتخاب حزبه سيؤدي الى خفض سعر صرف الدولار! ولكن هل طرح بالطريقة العلمية وبالدراسة الاقتصادية الخطوات الإصلاحية التي ستقوم بها "القوات"؟ وهي التي تهرّبت من مسؤولياتها في الحكومة بعد استقالة وزرائها الأربعة مع بداية حراك "17 تشرين" لتستثمر في هموم الناس المتأذية من سوء إدارة المؤسسات الرسمية والهدر والفساد، متناسيةً أنها الحزب القديم والشريك في "المنظومة" والسلطة وعمرها من أيام الحرب الأهلية في لبنان!
وفيما إذا أردنا تقييم تجربة القوات في المجلس النيابي منذ الدورة الانتخابية الماضية عام 2018، فماذا اقترحت كتلة الجمهورية القوية من قوانين صبّت في خدمة الشعب اللبناني خاصة مع وصول الأزمات المالية والاقتصادية ذروتها في العام 2019 وارتفاع سعر الدولار ونهب أموال المودعين؟
المتاجرة بالطائفة المسيحية لأحلام شخصية وأجندات خارجية!
في نهاية المطاف لا يريد جعجع من هذه الانتخابات والأصوات المسيحية سوى تحقيق أطماعه الشخصية بالوصول الى رئاسة الجمهورية. وكان جعجع الحالم بالرئاسة قد استخدم الطائفة المسيحية ووضعها على مشارف اقتتال داخلي خدمة للأجندات الأمريكية والسعودية، الا ان واشنطن لم ولن تدعمه للوصول الى بعبدا حتى لو حصّل الأغلبية المسيحية في مجلس النواب، حيث أن الحركة الأمريكية تدور عند رئيس "حركة الاستقلال" ميشال معوّض وقائد الجيش جوزيف عون ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية. والرياض بدورها لم تضمن لجعجع الرئاسة ولم تعد مؤثرة بالأساس في تحديد اسم الرئيس المقبل في لبنان.
"القوات" عاجزة عن تقديم مرشح حزبي!
أما على صعيد الترشيحات، فيؤكد الصحافي غسّان سعود خلال حديثه أيضاً على "كلوب هاوس الخنـادق": "أن "القوات اللبنانية" لا تملك حزبيّاَ واحداً يصلح لأن تقدّمه للشعب اللبناني كمرشح. وذلك حتّى في منطقة ثقلها في قضاء المتن حيث يتواجد 180 ألف ناخب مسيحي. وكانت عام 2018 قد لجأت الى ملحم الرياشي (وزير الاعلام السابق) وهو من غير المعروف إذا كان يملك بطاقة حزبية، ثم الى "ابن عائلة كتائبية عريقة" في بسكنتا ميشال مكتّف. وفي جبيل أيضاً ذهبت نحو النائب زياد حوّاط. وحتى في منطقة الأشرفية قدّمت "القوات" حاصباني الذي لا ينتمي تنظيمياً اليها وكان يعاني من دعوى قضائية ضدّه في السعودية".
القوات تعيش مأزق التحالفات
ان القوات اللبنانية تعيش أيضاً مأزقاً في إنشاء التحالفات الانتخابية لا سيما بعد الانقسام والخلافات الحادة في فريق "14 آذار" والعلاقة المتوترة منذ فترة مع تيار المستقبل وأعضائه حتّى قبل إعلان رئيس "التيار" سعد الحريري تعليقه العمل السياسي وطعنه في ظهره. وكذلك يخسر جعجع الأصوات المسيحية بعد "اجتياح" المنظمات غير الحكومية NGOs ونشاطاتها الواسعة في المناطق المسيحية لا سيما تلك المتضررة من انفجار مرفأ بيروت منذ الرابع من آب عام 2020. وحتى مع الحزب التقدمي الاشتراكي يبدو ان العلاقة بين الطرفين لم تعد متجانسة الا ان تحالفاً على مضض لأسباب انتخابية لن يعود بالكثير من المكاسب على "القوات". الامر كذلك مع حزب الكتائب فلا تزال التحالفات غير واضحة.
تراجع "القوات": 13 مقعداً!
إذا ما دخلت "القوات" المعركة الانتخابية بهذا الشكل فمن المرجّح - بحسب الأوساط المطّلعة - ألا تتجاوز عدد المقاعد التي ستحجزها في المجلس النيابي الـ 13 على الرغم من كل المال الخليجي والحشد الإعلامي الذي يعمل "لخدمتها"!
ولم تخض "القوات اللبنانية" معركة سياسية رابحة منذ نشأتها، ولطالما كانت رهاناتها خاسرة، وقد دفع ثمنها الشعب اللبناني أولا، فهل سيجازف الناخب اللبناني وتحديداً المسيحي بالرهان على جعجع أم ان صوت العقل والمنطق والحوار مع الشركاء في الوطن سيبقى الصوت الغالب لدى الطائفة المسيحية!
الكاتب: غرفة التحرير