منذ ظهور تنظيم داعش الوهابي الإرهابي للمرة الأولى إبان الحرب السورية بشكله المعروف وتنامي قدراته العسكرية والمالية التي تجاوزت نطاق تواجده الجغرافي وبات من غير الممكن حصره ضمن حدود دولة معينة، كان من الواضح حجم الدعم الهائل الذي يصل إليه بأشكال متعددة حتى تجاوز ميزانية العديد من الدول مجتمعة وهو ما أظهرته الصور المسربة والملتقطة بعيد عمليات التحرير في كل من سوريا والعراق خاصة وظهور العلامات التجارية الخليجية والتركية والأميركية إضافة للأوروبية بشكل أو بآخر.
ضمن سلسلة الدعم هذه، ورغبة الولايات المتحدة المهندسة الأولى لصناعة هذا التنظيم بالحفاظ عليه لإعادة إحيائه متى استدعى الأمر، نشرت صحيفة "الغارديان" تحقيقاً يكشف عن أن "الجوازات المزيفة تسمح لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية بدخول الدول الأوروبية والولايات المتحدة". ونقل التحقيق عن "بائع جوازات استخدمت وثائقه لعبور الحدود السورية قوله: ليس من مهمتي معرفة من هو السيئ". وأكد التحقيق "وجود سوق مزدهرة على الإنترنت متخصصة في بيع الجوازات المزيفة وعليها تأشيرات رسمية وطوابع سفر تعطي أشخاصاً على علاقات مع تنظيم داعش فرصة للسفر إلى بريطانيا والاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة".
ويكشف التحقيق الذي أعدته فيرا ميرنوفا وبيثان ماكرنان أيضاً عن ان "شبكة من هذه الشبكات يديرها أوزبكي بعلاقات مع المتطرفين ويعيش في تركيا. ويبيع الآن جوازات مزورة بشكل متقن، الواحد منها يصل ثمنه إلى 15.000 دولار ويزعم أنها من دول مختلفة"
وأكدت الصحيفة "وجود 10 حالات على الأقل قام فيها أشخاص بعبور الحدود من سوريا إلى تركيا واستخدموا الجوازات لعبور مطار إسطنبول. ويقول باعة الجوازات المزورة إن الاتحاد الأوروبي هو الجهة المفضلة، لكنهم تحدثوا عن حالتين سافر فيهما شخصان استخدما جوازي سفر روسيين مزورين من إسطنبول إلى المكسيك ومن هناك سافرا إلى الولايات المتحدة".
وأشارت الصحيفة إلى إن "جوازات النيجر وموريتانيا من بين الجوزات المفضلة وكذلك أوكرانيا وأفغانستان". وأكدت على أن "تجارة الرجل الأوزبكي انتعشت بدرجة كبيرة لدرجة أنه فتح قناة جديدة على التطبيق المشفر "تيلغرام". معتبرة عن أن "نمو التجارة هذه يعني إمكانية تسلل المتطرفين الخطيرين تحت سمع ونظر السلطات الأمنية حول العالم، حيث يهربون من مواجهة العدالة على الجرائم التي ارتكبوها في سوريا".
وفي تواصل معه، قال الرجل الأوزبكي لـ"الغارديان": "لا أسأل الشخص عن الجماعة التي ينتمي إليها، وأنا مستعد للعمل مع أي شخص" وليست مهمتي اكتشاف إن كان سيئا أم لا، على سلطات الأمن التعامل مع المشكلة".
وتتابع الصحيفة "كان المسؤولون الأمنيون قد حذروا في عام 2015 من أن التنظيم استطاع الحصول على جوازات سفر فارغة وطابعات لإصدار جوازات سفر سورية وعراقية استخدمها لإخفاء ناشطين بين مليون لاجئ فروا إلى أوروبا في ذروة أزمة اللاجئين. وأعلن التنظيم عن سلسلة من الهجمات التي نفذت في أوروبا بعد الأزمة، منها الهجوم على مسرح باتكلان في باريس وقاعة مانشستر في بريطانيا عام 2017. ومنذ ذلك الوقت قامت سلطات الحدود باستثمار أموال في التكنولوجيا والموظفين المدربين على اكتشاف الجوازات المزورة. وفي 2020، أعلنت طاجيكستان عن تغيير طاقمها ونظام إصدار الوثائق في قنصليتها بإسطنبول في محاولة للحد من استخدام الجوازات الطاجيكية المزورة".
ويكمل الكاتبان "ورد تجار الجوازات المزورة بزيادة قواعد اللعبة حيث عرضوا أنواعا من الجوازات بناء على رغبة العميل. وأرسل الرجل الأوزبكي عددا من لقطات الفيديو عن الجوازات المتوفرة لديه منها جوازات جديدة فرنسية وبلجيكية وبلغارية وروسية وتحمل على ما يبدو علامات مائية وهولوغرامات أصيلة. وعندما وضعت تحت ضوء أسود، ظهرت على جوازي سفر روسيين عناصر فوق بنفسجية حساسة مصممة لمنع تزوير الجواز. وفي الوقت نفسه عندما وضع جواز سفر أوكراني على ماسح يشبه تلك المستخدمة في المطار أظهر كل المعلومات عن حامله والتي ظهرت على جهاز المراقبة".
مشيرة إلى انه "وبحسب باعة الجوازات فمن الصعب تزوير الرقاقة البيومترية، إلا أن المسؤولين في معظم نقاط الحدود غالبا ما يلوحون لمن لا تقرأ الأجهزة جوازاتهم بالمرور ولا يقومون بفحصها".
وقال مسؤول في وزارة الأمن الوطني الأمريكية: "هناك بائع في إسطنبول متخصص ببيع الجوازات إلى عناصر تنظيم الدولة وتزويدهم بوثائق على درجة عالية من التقنية" ولديه موظفون يتحدثون العربية والروسية ولغات أخرى لكي يقدم الخدمات للزبائن من جنسيات مختلفة. وأضاف "نعرف أن عناصر من التنظيم يستخدمون جوازات مزورة في أوروبا ولم تنجح سلطات الأمن بالقبض عليهم".
معتبرة انه "في الوقت الذي يقوم فيه باعة الجوازات بتوفير الوثائق المزورة للمقاتلين الأجانب المرتبطين بالتنظيم في سوريا وتسهيل سفرهم إلى أوروبا، إلا أن التنظيم وجد طرقا أخرى لتوسيع نشاطاته. ونشرت امرأة في معسكر الهول الذي يعتقل فيه أكثر من 60.000 امرأة وطفل من أطفال التنظيم، والتي تعتبر من المسوقين للرجل الأوزبكي، رسالة على تطبيق تيلغرام جاء فيها "لو أردت وثائق من روسيا ووسط آسيا وتركيا وأوربا اتصل بي مباشرة".
وقال الرجل الأوزبكي إن "سقوط أفغانستان أدى لظهور سوق جديد للمهاجرين الأفغان، مع أن خدماته غالية الثمن بالنسبة للعديد من المشردين الأفغان، لكنه قال إن عملاءه يستخدمون جوازاته لركوب الطائرات باتجاه الدول الغربية ثم طلب اللجوء". وتكمل الصحيفة:
"ويشتري المقاتلون من الصفوف الدنيا في التنظيم جوازا وبالكاد، إلا أن قادة التنظيم يشترون عدة جوازات مزيفة بجنسيات مختلفة لاستخدامها في التنقل ما بين بلد وآخر، حسبما يقول بائع جوازات مزيفة روسي. وقال شخص روسي قاتل إلى جانب تنظيم الدولة حتى عام 2015 "لم يكن معي سوى حفنة من الدولارات عندما جئت من سوريا ولهذا اشتريت أرخص جواز، جواز طاجيكي بنوعية متدنية، ولم ينجح واعتقلت في مطار إسطنبول"، "ثم جمعت عائلتي كمية كافية من المال لشراء جواز أفضل. ولهذا حصلت على جواز روسي أفضل وبصورتي عليه واستطعت الوصول به إلى أوكرانيا. وكان جوازا جيدا. ولم يتم توقيفي سوى مرة واحدة وأخذته الشرطة ثم أعادته لي بعد أسبوع وقالوا إن كل شيء على ما يرام. ولسوء الحظ فصلاحية الجواز ستنتهي وأبحث حاليا عن طرق لشراء آخر".
ويمكن لباعة الجوازات إصدار شهادات وفاة تركية وإرسالها إلى قنصلية بلد المتقدم بالطلب مقابل 500 دولار. وقال بائع الجوازات الأوزبكي "لن يذهب أحد إلى المشرحة والتأكد من وفاتك إلا إذا كنت أبو بكر البغدادي" الذي قتل عام 2019. و "سيقبلون الوثيقة ويدخلون الاسم في النظام". وهناك عدة جوازات تعتمد على عرقية الشخص واللغة التي يتحدث بها والمكان الذين يريدون الذهاب إليه والمدة التي يريدون قضاءها. وأرخص الوثائق للذهاب إلى أوروبا هي الجوازات الروسية والقيرغيستانية والكازخستانية والتي تكلف 5.000 أو 6.000 دولار وتعتبر جزءا من نظام تأشيرة شنيغين. لكن الوثيقة الأوكرانية والمولدوفية هي أعلى ثمنا لأنها تسمح بحرية حركة في أوروبا. والخيار الأغلى هو جواز الاتحاد الأوروبي الذي يكلف 8.000 دولار أحيانا ويطلبه غربيون وعرب ممن لديهم معرفة قليلة بالفرنسية ويستخدمونه لدخول فرنسا عبر بلجيكا".
وعن كيفية الحصول على الجوازات الأصلية، "فهي وصول مواطني الدول الأوروبية إلى تركيا وبيعها إلى بائع الجوازات الذي يقوم بتغيير الصورة والاسم، ثم يقوم المالك الأصلي للجواز بإبلاغ قنصلية بلاده عن فقدانه الجواز ويتقدم بطلب استبدال له. وتطبع الجوازات في البلد الأصلي ثم تؤخذ للبلد الذي ينتظر فيه العميل مما يؤكد شرعية دخول المشتري الجديد. ويقول البائع الروسي "الجواز نفسه لا يكلف شيئا، لكن الكلفة تذهب للختم". و"معظم المال يذهب إلى الرشاوى للحصول على الختم". وأضاف "في الماضي كانت نوعية الجوازات سيئة مما حد من الدول التي يمكن للشخص السفر إليها من سوريا" و "لكنها أصبحت الآن جيدة النوعية لو كان لديك المال الكافي وتستطيع السفر إلى أي مكان تريد".
المصدر: الغارديان
الكاتب: فيرا ميرنوفا وبيثان ماكرنان