تُطرح إشكالياتٌ كثيرة هدفها تشويه صورة حزب الله، بهدف تحميله مسؤولية الأزمات التي تعصف بلبنان. هذه السرديات التي تسوّق لها جماعات محلية محسوبة تارة على أطراف سياسية، وأخرى على جمعيات الـNGOS، ما هي إلا سرديات تعمل عليها السفارة الأميركية في لبنان من خلال شن حربها الناعمة عبر أدواتها على المقاومة.
تنطلق إحدى هذه السرديات من التركيز على دور المقاومة الإقليمي، انطلاقًا من تسويق هؤلاء لمقولة أنّ حزب الله هو حليف إيران وينفّذ أجندتها وما تريده من ملفات؛ وبالتالي فهو ليس مقاومة في وجه الاحتلال. ويكمن الهدف من ذلك في تحميل الحزب مسؤولية الأزمة اللبنانية على اعتبار أنّه قد ترك دوره المحلي في مقابل التوجه نحو ملفات إقليمية، فيما تحصل هذه الجماعات نفسها على دعم لا متناهٍ من قبل الولايات المتحدة ودول الخليج لتنفيذ أجندة تتقارب مع خصوم لبنان وربما أعدائه.
المؤسف أنّ البعض قد بدأ يتعامل مع المقاومة، باعتبارها أداة لخدمة مشروع خارجي على حساب لبنان، لا باعتبارها مقاومة حررت لبنان من الاحتلال الاسرائيلي، وواجهت عدواناً عليه عام 2006 (وكأنّ هناك من يتقبل وجود هذا العدو، فيما لا يريد وجود المقاومة)، ومن ثم مقاومة واجهت المشروع الأميركي ـ الداعشي، وهي الآن تواجه الحصار الأميركي الجائر على لبنان، بل على العكس فإنّ هناك فريقا قد رهن قراره للخارج وبالمقابل يقوم بالتهجّم على المقاومة ويحاول أن يظهر أن مشروعها ليس لبنانياً، فيما مشروعه يقوم على فتح لبنان على مصراعيه للأميركي والخليجي وربما للاسرائيلي هو مشروع وطني.
موقف حزب الله دفاعي في مواجهة الأميركي والإسرائيلي وبعض العرب
يدرك حزب الله أن دوره الإقليمي الواسع، جعله في مواجهة دولٍ عربيةٍ عدة كانت تسعى لبسط سيطرتها ونفوذها على الساحة العربية، خاصةً إبان الحرب على سوريا، فضلاً عن أنه سيكون عرضة لحصارٍ وحرب أميركية (ناعمة) شعواء، مع ما سيرافق ذلك من ضغوط على دول غربية وعربية لقطع علاقاتها معه، بالإضافة إلى استخدام بروباغندا إعلامية تشويهية سترافق كل ذلك، من أجل تقليب الشعوب عليه، لا سيما لمحاولة تقليب الشعب اللبناني على المقاومة.
شبهات هؤلاء وسردياتهم الدائمة التي يعملون عليها، تسقط من الاعتبار عندما تؤكد الدولة اللبنانية على أن المقاومة هي عمل مشروع، وعندما تؤكد على لسان المسؤولين فيها، كما يؤكد حزب الله أنه حزب لبناني يلتزم باحترام القوانين اللبنانية وارادة مكوناته وهو جزء من هذا النسيج الوطني، وهو لا يخرج عن التوافق طالما ليس هناك تهديد يطيح بأسس الوجود والدولة. ولا شك أن التحالف الغربي العربي الاسرائيلي هو في موقع الاعتداء منذ 1948 وحتى الآن، وهذا ما جعل كل حركات المقاومة تقف موقع المدافع، وهذا لا ينفك عن الاعتداءات التي حصلت من خلال مشروع داعش ونشر أفكار التكفير والإرهاب، الذي جعل لبنان عرضة للسيطرة الداعشية لولا ذهاب حزب الله إلى سوريا والعراق.
دور حزب الله في سوريا لحماية لبنان
لا شك أن الذي وسّع دور حزب الله الإقليمي، هو حصول الحرب التي شنها الأميركيون وحلفاؤهم من اسرائيليين وعرب على سوريا، والتي جعلت التنظيمات الإرهابية المتمثلة بتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام" تدخل الى لبنان، وكل ما كان يحمله ذلك من استهداف لسيادة لبنان واستقراره، ولكرامة شعبه وأمنه، وللقضاء على المقاومة لحماية أمن الكيان الإسرائيلي، فكان من الضروري أن يقوم حزب الله بالدفاع عن لبنان والشعب اللبناني وعن مشروع المقاومة الذي هو حماية للبنان، وبالتالي فإنّ الكل يعرف أنّ ذهاب حزب الله إلى سوريا، وتحول دوره إلى دورٍ إقليميٍّ هو نتيجةٌ دفاعيةٌ بوجه المخطط الأميركي، ولم تذهب المقاومة لمجرد رغبتها بلعب هذا الدور.
استعداء بعض العرب للمقاومة جعل دورها اقليميا
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ حالة الاستعداء والتبعية للصهاينة التي انتهجها بعض الدول العربية تجاه المقاومة، وشن الحروب على سوريا واليمن هو أصل المشكلة، كما أنّ حالة التطبيع مع الاحتلال، قد أوجد هذه الحالة بطبيعة الحال لمن أراد أن يتخذ هذا الخيار. وفي حين أنّ المقاومة دافعت عن الكيان اللبناني والأقليات وعن وجودها وعن المقدسات في سوريا والعراق، وهذا حقٌ مشروع تكفله القوانين، فإن الطرف الآخر قام بالتآمر مع الأميركيين والخليجيين لاستهداف سوريا، ودعم الجماعات الإرهابية، وهو ما كان يهدد لبنان.
إن الأحداث التي حصلت في عرسال ودخول الإرهاب إليها لا تزال شاخصة أمامنا، فلم يمر وقتاً طويلا لكي ننساها، وعليه فإنّ دور المقاومة هنا، كان نابعاً من ضرورة الحفاظ على الوجود، في المقابل كان الدور الذي لعبته أطراف سياسية لبنانية وفي مقدمتها شخصيات معروفة واضحة النوايا تجاه استهداف هذا الوجود.
تحميل حزب الله مسؤولية الانهيار لتبرئة حلفاء أمريكا والسعودية
وعلى الرغم من أنّ حزب الله يلعب دوراً إقليمياً، إلا أنّه لم يترك لبنان أو يتخلى عن مسؤولياته تجاه اللبنانيين، والسردية الأميركية العربية التي تأتي في هذا السياق، ما هي إلا محاولة لتبرئة حلفاء أميركا والسعودية الذين سرقوا لبنان ونهبوه بسياساتهم وتصرفاتهم من التسعينيات إلى اليوم، ومحاولة لتبرئة هذه الأطراف من تهم الفساد، علماً أن حلفاء أميركا في لبنان هم رأس هذا الفساد، ولم تنفك واشنطن والسعودية وغيرها عن دعم هذه الجهات لتغيير موازين القوى بعد أن تيقن هؤلاء بأنّهم لن يتمكنوا من هزيمة حزب الله عسكرياً أو تقليب البيئة الشيعية على المقاومة وحتى فشلهم في جمع أكبر عدد من اللبنانيين في مواجهة المقاومة.
حزب الله قدّم البديل لحل الازمة الاقتصادية
يعلم القاصي والداني أن حزب الله عمل على تقديم بديلٍ اقتصاديٍّ في الميدان، ليقول لا للاحتكارات، عبر كسر الحصار على مصادر الطاقة، واستجرار المازوت الإيراني، وكذلك في ملف الدواء والمواد الغذائية وغيرها من الملفات، وهو بذلك يواجه الدولة العميقة في جذورها من خلال إضعاف الكارتيلات، وهي بداية الطريق في هذا الإطار، كما أنّ حزب الله في ملف الفساد أقام الحجة وعمل بحسب القانون، ومن جهة ثانية قدّم النموذج، ومن جهة ثالثة بدأ بالمعالجات حيث يمكن وحيث لا يؤدي ذلك الى توترات داخلية، .بالإضافة الى دعواته المتكررة بضرورة التوجه شرقا وإيجاد توزن اقتصادي الى جانب الغرب، ما يعني ان لا يتخلى لبنان عن أسباب القوة لديه الموجودة في الشرق.
حزب الله ومحاربته للفساد
يعرف اللبنانيون أنّ حزب الله لم يدافع عن الفاسدين، بل حاربهم من خلال نموذج بديل، نموذج استطاع أن يدخل إلى الدولة دون أن يتلوث، نموذج أثبت إمكانية أن تعمل السياسة دون نهب، ودون محاصصة، وإمكانية أن تعمل السياسة من خلال الخدمة والتضحية والبذل. إن هذا النموذج هو الذي يضعف كل الفاسدين ويعريهم، ولذلك قام هؤلاء الفاسدين وإعلامهم تحديدًا بالترويج لمقولات "كلن يعني كلن" وأن "حزب الله يغطي الفساد". وهذه الحملة هي لمحاولة إخفاء الدور الأمريكي في تمويل الفساد من خلال الهبات والقروض لأربعين عامًا، وغطتهم وساعدتهم، وهي تعرف كل دولار إلى أي حساب تم تهريبه واختلاسه، أمريكا هذه تحمي المنظمات المدنية والأطراف السياسية وهي راعية الحصار وحامية دولة الحصار.
لبنان في أولوية حزب الله وليس الاقليم
لم يترك حزب الله لبنان، ودائماً كان من أولوياته الملف الداخلي وهموم الناس، وقد وقف حزب الله بوجه العملية الأمريكية التي تهدف لتوظيف جوع الناس وفقرهم ضد المقاومة وضد مصالح هؤلاء الفقراء بجعلهم رهينة للأمن الإسرائيلي. هذا التغيير الذي وقف في وجهه حزب الله هو مشروع إعادة إنتاج فريق 14 آذار الميت بوجوه جديدة، والذين شاركوا في قيادة الاحتجاجات من دون هذه الخلفية لم يكونوا تحت الضوء الإعلامي، بل جرى تحييدهم.
الحزب يستفيد من الإقليم لخدمة لبنان
إذًا، لم يترك حزب الله دوره اللبناني، ولم يخرج عن الهموم اللبنانية، إلا أنه عندما يعمل في الملفات الإقليمية، يعمل انطلاقًا من ضرورة الاستفادة من قوته، لتحرير لبنان من الهيمنة الأميركية السعودية، وجعل لبنان دولة ذات مؤسسات وقرارٍ حرٍّ. دولة يبنى نظامها السياسي والاقتصادي وفق رؤى وتطلعات شعبها، لا عبر رؤى وتطلعات الأميركيين والصهاينة ودول التطبيع وبعض أدواتهم التي تسعى لتحقيق مآربهم في هذا الوطن، لجعله مطية لهؤلاء من أجل تحقيق مشاريع الأميركي والصهيوني لا غير. هكذا هو حزب الله الذي يعمل بكل الملفات في الداخل والخارج انطلاقا من المصلحة اللبنانية أولاً وآخراً.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع