يُعد عام 2021 بالنسبة لليمن، عاماً مفصلياً حمل في جعبته الكثير من التطورات التي شكّلت علامة فارقة في تاريخ الحرب على البلاد منذ انطلاقتها عام 2015 وعلى كافة الصعد. حيث كانت الكلمة الفصل في هذا العام للميدان والعمليات العسكرية. ففي الوقت الذي كان الموت السريري يطغى على العملية السياسية في شقيّها الداخلي والدبلوماسي الدولي حتى على صعيد المفاوضات في عمان -على عكس سنوات الحرب الماضية- شهدت الجبهات خاصة في مأرب عمليات عسكرية واسعة حيث تم تحرير 12000 كلم مربع. وهنا عرض لأبرز الأحداث التي شهدتها الساحة اليمنية خلال عام 2021:
المشهد العسكري
عمليات التحرير في الداخل اليمني:
-عملية "النصر المبين": والتي أتت على 3 مراحل.
المرحلة الأولى أعلن عنها في 13 تموز/ يوليو واستمرت 72 ساعة فقط، تمكنت قوات صنعاء خلالها من تحرير مديريتي الزاهر والصومعة في محافظة البيضاء. كشف خلالها المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع "الارتباط الوثيق بين الجماعات التكفيرية وتحالف العدوان الذي ساندها بعشرات الغارات".
المرحلة الثانية أعلن عنها في 31 تموز/يوليو تمكن الجيش واللجان الشعبية خلالها من تحرير مديريتي نعمان وناطع في محافظة البيضاء بمساحة تقدر 390 كلم مربع. حضر فيها سلاح الجو المسيّر بشكل بارز حيث نفّذ 19 عملية، والقوة الصاروخية 13 عملية استخدمت فيها صواريخ "بدر" و "سعير".
المرحلة الثالثة أعلن عنها في 11 أيلول/ سبتمبر حرر خلالها مديريتي ماهلية والرحبة والتي تقدر مساحتها بنحو 1200 كلم مربع. برز خلالها الدور الكبير للقبائل في مساندة الجيش واللجان الشعبية.
-عملية "البأس الشديد": في محافظة مأرب، والتي أعلن عنها في 17 أيلول/سبتمبر بعد ان استمرت عدة أشهر، دشنت خلالها القوات المسلحة اليمنية مرحلة جديدة، وتم تحرير مديريتي مدغل ومجزر في محافظة مأرب في مساحة تقدر ب، 1600 كلم مربع. حيث شاركت فيها مختلف وحدات القوات المسلحة. والتي تضمنت أيضاً استهداف العمق السعودي بصواريخ "بدر" و"نكال" و "ذو الفقار" و"قدس"...
-عملية "فجر الحرية" والتي حررت خلالها محافظة البيضاء بالكامل-آخر معاقل تنظيم القاعدة-، القريبة من صنعاء، والتي تحادد شبوة ومأرب، أعلن عنها في 23 أيلول/سبتمبر. تم السيطرة خلالها على 7 معسكرات تابعة للقاعدة وداعش الإرهابيين.
- عملية "فجر الانتصار" أعلن عنها في 12 تشرين الأول/أكتوبر حرر خلالها عدة مناطق منها معسكر وهو أحد المعسكرات الثلاث في محافظة مأرب. تبلغ مساحتها 600 كلم مربع.
-عملية "ربيع النصر" استطاعت قوات صنعاء خلالها تحرير أكثر من 3200 كلم مربع. وحضر في هذه العملية التي أعلن عنها في 24 تشرين الأول/أكتوبر سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية بشكل بارز. حيث تم تحرير مديريات بيحان وعين وعسيلان في شبوة إضافة لحريب والعبدية وأجزاء أخرى من مديريتي الجوبة وجبل مراد في مأرب. وأتت هذه العملية على مرحلتين، حرر خلال عملية "ربيع النصر 2" مساحة تقدر بـ 1100 كلم مربع.
- عملية "فجر الصحراء" أعلن عنها في 23 كانون الأول/ ديسمبر، استطاعت قوات صنعاء خلالها تحرير "اليتمة" في محافظة الجوف الحدودية ما يجعل نقل العمليات العسكرية إلى جيزان في العمق السعودي أمراً أكثر سهولة. كما استطاعت خلالها تحرير مساحة تقدر بـ 1200كلم مربع.
العمق السعودي: قوات صنعاء تفرض معادلات ردع
مقابل الحضور المستمر لطائرات التحالف في اليمن والتي انتهكت بها القوانين الدولية وارتكبت المجازر، شهد العام 2021 حضوراً لافتاً لصواريخ قوات صنعاء في سماء السعودية، والتي استهدفت إضافة للطائرات المسيرة، منشآت حيوية في العمق السعودي. حيث نفذ الجيش واللجان الشعبية عدد من عمليات الردع التي كشفت النقاب عن تطور كبير في القدرات العسكرية لدى قوات صنعاء، وهنا عرض لأبرز العمليات التي فرضت قواعد اشتباك جديدة:
-توازن الردع الخامسة 1 آذار/مارس استهدفت مواقع حساسة في الرياض.
-توازن الردع السادسة 7 آذار/مارس استهدفت شركة أرامكو في ميناء رأس تنورة (العملية التي حملت دلالات مهمة وأوصلت رسالة تعدّت حدود المملكة السعودية)
-السادس من شعبان استهدفت خلالها شركة أرامكو بطائرة مسيرة لم يكشف عن نوعها.
-عملية اليوم الوطني للصمود 27 آذار/مارس استهدفت شركة أرامكو في رأس تنورة وقادة الملك عبد العزيز في الدمام ومواقع عسكرية أخرى.
-الثلاثون من شعبان استهدف خلالها شركة أرامكو في جدة والجبيل ومواقع حساسة في خميس مشيط...
-عملية توازن الردع السابعة 5 أيلول/ سبتمبر استهدفت خلالها شركات أرامكو في رأس تنورة والدمام وجدة ونجران وجيزان...
-عملية الردع الثامنة: 20 تشرين الثاني/نوفمبر استهدفت مطار الملك عبد العزيز ومصافي أرامكو في جدة.
التصنيع العسكري اليمني وتراكم الخبرات
كشفت القوات المسلحة اليمنية خلال عام 2021 عن قدرات عسكرية لأول مرة، شكّلت مفاجأة حقيقية وكشفت عن قدرة عظيمة في تغيير قواعد الاشتباك. هذا الانجاز أتى نتيجة لتراكم الخبرات طيلة السنوات وهو ما أكده العميد سريع "القوات المسلحة تمتلك اليوم من القدرات والكفاءات والخبرات ما يجعلها قادرة على مواجهة التحديات المختلفة...إن الصمود في وجه تحالف العدوان أكسب العسكرية اليمنية تجربة فريدة ستضاف الى صفحات تاريخنا العسكري والحربي في مقاومة الغزاة والدفاع عن البلد والشعب".
وضمن هذا الاطار، كان استهداف منشآت أرامكو في رأس تنورة في الدمام خلال عملية توازن الردع السابعة بمثابة رسالة تعدت حدود السعودية ووصلت أصداؤها إلى البيت الأبيض ثم إلى كيان الاحتلال. فالعمق الذي استهدفته الصواريخ الباليستية اليمنية بعيدة المدى يصل الى 1580 كلم وأكثر، ما يعني إمكانيّة وصولها الى عمق الكيان في فلسطين المحتلّة، وفي تقسيم للمنطقة الفلسطينية المحتلّة على طول 400 كلم، فإن الصواريخ اليمينة قادرة، حتى الان، على كشف 100 كلم من مساحة فلسطين. فاختيار استهداف أرامكو الموجودة في هذه المنطقة البعيدة في العمق السعودي رغم وجود عشرات القواعد العسكرية والمنشآت ضمن مسافة أقرب، كان لإيصال هذه الرسالة الاستراتيجية التي خاطب فيها الشعب اليمني الأصيل بعيداً عن الوكيل والأدوات. هذا إضافة لطائرات "وعيد" المسيرة التي يصل مداها إلى 2500 كلم كما أعلن الاعلام الحربي اليمني.
رغم القصف الجوي المستمر منذ بداية الحرب استطاعت قوات صنعاء الاستمرار بتصنيع الأسلحة وتنفيذ العمليات النوعية في الداخل اليمني والعمق السعودي. وهذا يعود لاستثمار الجيش واللجان للموارد الطبيعية والجبال، حيث قاموا ببناء مدن محصنة في الجبال لإتمام عملية التصنيع العسكري التي تتم بكوادر وأيدي يمنية من خريجي الجامعات اليمنية أيضاً. وقد كان من اللافت أنه بالرغم من الجهد الاستخباراتي والغطاء الجوي الكثيف والامكانيات الضخمة لم تتمكن قوى التحالف من اكتشاف وتدمير هذه المدن ومعامل التصنيع. حتى تلك التي تم قصفها، لم تدمّر فعلياً لحرفيّة وحجم التحصين في الجبال.
من جهة أخرى، فقد استطاعت الصواريخ الباليستية اليمنية تجاوز منظومات الباتريوت السعودية مع تفعيل صواريخ الكروز والطائرات المسيرة بعد تطوير سرعتها بشكل أكبر، بحيث أجبر ذلك الرياض على إطلاق 5 صواريخ اعتراضية لكل صاروخ باليستي، وهذا الذي اضطرهم لطلب الدعم العاجل من الدوحة وواشنطن.
اليمن 2022؟
راكم الجيش واللجان الشعبية خلال السنوات السابقة خبرات عظيمة لم يكشف عنها إلا في الوقت المناسب التي كانت فيه السعودية وحلفاؤها قد وصلوا إلى مرحلة التخبّط، وفقدوا خلالها كل أوراق الضغط التي تحتاجها لدعم موقفها في المفاوضات. وبهذا فمن المتوقع ان تشهد الجبهات اليمنية خاصة في مأرب -التي باتت على مشارف التحرير والتي قد يتم الإعلان عنها قريباً- كشفاً جديداً عن أسلحة جديدة أكثر تطوراً.
من جهة أخرى، فإذا أراد التحالف نقل المعركة إلى باب المندب بعد خسارته في مأرب، فهذا سيضع الكشف عن أسلحة جديدة خاصة تلك التابعة للقوة الصاروخية أمراً وارداً. خاصة في ظل تأكيد حكومة صنعاء على تحرير كامل الأراضي اليمنية من كل القوات الأجنبية فيها، كما صرح رئيس الوفد المفاوض محمد عبد السلام في حديث لموقع "الخنـادق": "نحن نرفض أي تواجد عسكري لأي بلد في أرض الجمهورية اليمنية. ونعتبر هذه القوات الموجودة في بلدنا هي قوات احتلال ويجب التعامل معها على هذا الاعتبار".
الكاتب: غرفة التحرير