لا يزال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مستمراً في تعاميمه التي وإن بدا في الظاهر أنها ربما لصالح المواطن او "للحد من تدهور الوضع" الا أنها لا تحمل في طيّاتها، وخاصة على المدى البعيد، الا مزيداً من تفاقم الأزمة الاقتصادية والنقدية والمعيشية التي يمرّ بها لبنان منذ سنتين على الأقل والتي كان ضحيتها، بشكل أساسي موظفو القطاع العام ومؤسسات الدولة العسكرية والمدنية بالإضافة الى الطبقة الوسطى التي تقلّصت بشكل كبير وسريع في البلاد.
التعميم ليس حلاً طويل الأمد
فالتعميم الأخير رقم 161 الذي نصّ على تقاضي القطاع العام رواتبه بالدولار (تحوّل قيمة الراتب بالليرة اللبنانية على سعر "صيرفة" 21.500 الى الدولار)، وذلك "سيسمح" للموظف بحسب قيمة راتبه وبفعل فارق سعر الدولار بين منصة "الصيرفة" والسوق السوداء (الذي يترواح بين 26 و27 وما فوق) ان "يكسب" ما بين 200 و500 ألف ليرة لبنانية أي ما يعادل 7 الى 18دولار فقط، أي أنه مبلغ وهمي لن يعود على المواطن لا بتحسين ظروفه المعيشية ولا برفع فعلي لقدرته الشرائية! وانخفض منذ الأمس سعر صرف الدولار الى 26850، لكنّ هذه الخطوة ليست الا نوعاً من "ذرّ الرماد في العيون"، فخطوات سلامة، السابقة والحالية، لم تكن الا محاولة لإطفاء الخسائر للتوفير على القوى السياسية المشاركة في الأزمة منذ عقود والداعمة للسياسات المصرف المركزي، بحسب ما تشرحه الأوساط الاقتصادية اللبنانية في مقابلة سابقة مع موقع "الخنادق"، وتضيف الأوساط ان هذه الخطوة قد يتبعها "ارتفاع في أسعار السلع والخدمات في السوق ان لم تتوافر الرقابة اللازمة والضرورية".
وفيما سيساهم هذا التعميم الجديد بعودة سحب المصرف المركزي للدولارات من الصرافين في السوق السوداء، وهو ليس الا "ترقيع" مؤقت، حالياً لشهر واحد، قابل للتجديد، لكنه ليس بالقرار المستدام أو بالجدّي الذي يطرح أفقاً لحل الأزمة النقدية في البلاد.
وكذلك لن يكون القرار سوى استخداماً للبنانيين والموظفين كورقة للتفاوض والمقايضة بهم أمام صندوق النقد الدولي، حيث تكمن خطورة التعميم 161 الصادر عن المصرف المركزي وحاكمه بتشريع الحد الأدنى للأجور في لبنان بقيمة 30 دولارا! ويحوّل المبلغ الإجمالي لرواتب الموظفين العامين من 8 مليار دولار سنوياً (على سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد) الى 520 مليون دولار سنوياً، بحسب ما تشرح الأوساط الاقتصادية.
الدولار متوفر لتعاميم سلامة ومقطوع للدعم!
ويترك "التعميم" العديد من علامات الاستفهام حول توفر الدولار لدى المصرف المركزي الذي منعه عن دعم السلع والمواد الأساسية كالقمح والطحين ما أدى الى ارتفاع في سعر ربطة الخبر (القوت الأساسي في كل بيت لبناني) وذلك الدولار نفسه غير المتوفر لدعم الأدوية، وخاصة للأمراض المزمنة والعصبية والنفسية! وأيضاً عن قدرة المصارف اللبنانية في منح الدولارات التي حرمتها عن المودعين!
وكانت الطوابير الطويلة لموظفي القطاع العام أمام المصارف اللبنانية لسحب رواتبهم مشهداً جديداً من "تحطيم" آخر ما تبقى من هيكلية ومؤسسات الدولة اللبنانية وكرامة العيش في هذا البلد!
الكاتب: غرفة التحرير