يصل رئيس الموساد اليوم دافيد برنياع إلى الولايات المتحدة بتكليف من رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت للبحث بمستجدات المفاوضات النووية التي أجريت الجلسة السابعة لها مؤخرا في العاصمة النمساوية فيينا. هذه الزيارة التي تأتي ضمن سلسلة الجولات المكوكية التي قامت بها سلطات الاحتلال طيلة الفترة الماضية للحؤول دون إتمام هذا الاتفاق، تعكس قلقاً كبيراً حيال ايران، لكن ما كشفته الأوساط الإسرائيلية أيضاً هو ليس فقط القلق الإسرائيلي من النووي الإيراني بل بثقة الجمهورية الإسلامية بنفسها والذي يجعلها تمضي لتطبيق مشروعها في الريادة الدولية بخطى ثابتة.
صحيفة يديعوت أحرنوت اشارت في مقال لها إلى ان "لا يقلق إسرائيل فقط تخصيب اليورانيوم وإدخال أجهزة طرد مركزي حديثة، بل أيضاً مراكمة العلم والثقة الذاتية لدى إيران في المنظومة التكنولوجية والعلماء الذين يقفون خلف البرنامج النووي". مؤكدة ان "ما يقلق إسرائيل هو القدرة التكنولوجية المستقلة المبهرة التي حققها العلماء في إيران".
النص المترجم:
لم يكن باستطاعة القيادة السياسية الأمنية أن تلاحظ هذا الأسبوع أي ذرة تفاؤل بخصوص استئناف محادثات فيينا، فالفجوة بين إسرائيل والولايات المتحدة كبيرة جداً، وتبدو غير قابلة للجسر في هذه المرحلة. تدرك إسرائيل بأن القوى العظمى وإيران سيعودون إلى إطار اتفاق تشبه خطوطه العامة اتفاق 2015 حتى لو استغرق هذا نصف سنة أو سنة.
مرت سنتان ونصف منذ انسحاب الولايات المتحدة بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، ويقول الأمريكيون لإسرائيل بالشكل الأكثر وضوحاً اليوم إن النتائج تتحدث من تلقاء ذاتها وإن القرار بالانسحاب وبالتشجيع المتحمس من إسرائيل كان خطأ استراتيجياً جسيماً. فإيران لم تنهر، بل خصبت اليورانيوم وطورت قدرات وأجهزة طرد مركزي متطورة، وراكمت العلم والثقة بالنفس بقدرات ذاتية لعلمائها لمواصلة التقدم في البرنامج.
أعلن ترامب، قبل أن فاز بالرئاسة، بأنه يعارض الاتفاق وسينسحب منه، ورغم ذلك رأت الإدارة الأمريكية الحالية في إسرائيل وفي رئيس الوزراء السابق نتنياهو مصدراً أثر جداً على خط الانسحاب من الاتفاق وعرض جبهة صقرية. عملياً، هذا هو الفيل الموجود في الغرفة، وفي كل حديث في المستويات المختلفة بين إسرائيل والولايات المتحدة. العلاقات طيبة، المحادثات موضوعية، والأمريكيون كالمعتاد مجاملون، ولكن بينما غيرت المنظومات في الولايات المتحدة وإسرائيل أنظمة الحركة تماماً، لا يوجد في هذا الموضوع تغيير كبير، وإذا كان فهو يرتبط أكثر بالسلوك العلني الأكثر اعتدالاً مع الأمريكيين، ولكن لا يوجد تغيير حقيقي من حيث الجوهر.
تأسف إسرائيل اليوم على أنه بعد انسحاب الأمريكيين من الاتفاق كان ينبغي العودة للاستثمار في خيار عسكري مصداق، ولكن هذا بات كحليب مسكوب. فبتعليمات من القيادة السياسية ورئيس الأركان، يسرع الجيش وسلاح الجو الإسرائيلي الاستعدادات لمثل هذه الإمكانية أيضاً، وبالتأكيد ليس كخيار أول تعمل به إسرائيل وحدها حيال إيران، بل كقدرة ينبغي أن تكون بالترسانة بشكل عملي، وكذا كرافعة لغرض ردع إيران.
فضلاً عن ذلك، فإن فحص القدرة اللازمة سيكون تجاه تقدير مدى الضرر الذي يمكن لمثل هذا الهجوم أن يلحقه. فبخلاف هجمات أخرى نفذتها إسرائيل على مفاعلي العراق وسوريا، فإن هجوماً محتملاً في إيران لا يعد ذا قدرة على أن يوقف البرنامج النووي بشكل تام، بل سيؤخره فقط.
كما أن للساحة الدولية وللاستعداد لحرب إقليمية مع التشديد على “حزب الله” الذي تعاظمت قدراته العملياتية في السنوات الأخيرة، وزناً كبيراً في المباحثات الجارية اليوم. تفكير مستقبلي عن هجوم في إيران، في حالة الوصول إلى قدرة عملياتية حقيقية ستبرز مسألة ما إذا كان على إسرائيل العمل على إضعاف دراماتيكي لحزب الله الذراع العسكري الأكثر فاعلية لآية الله ضد إسرائيل. بمعنى، هل ينبغي لبطاقة دخول الهجوم على إيران أن تمر قبل ذلك عبر بيروت.
أسئلة ثقيلة الوزن تقود إسرائيل إلى الاستنتاج بأن الطريق الدبلوماسي أفضل من القوة العسكرية. يمكن التقدير بأن احتمال مهاجمة إيران من قبل إسرائيل وحدها يبقى متدنياً، وإن كان المواطن العادي الذي يسمع التصريحات المتفاقمة للمسؤولين عندنا تجاه إيران يفكر يظن بأن معركة تقترب – وهذا أيضاً جزء من نقل الرسائل الإسرائيلية لشركائها وإيران.
يعتقد جهاز الأمن بأن شيئاً واحداً هو أسوأ من العودة إلى إطار الاتفاق النووي السيئ، ألا وهو التوقيع عليه بعد زمن طويل. فالمحافل المهنية تقدر بأن الإيرانيين سيجرون الأرجل قدر المستطاع كي يستغلوا فترة المراوحة لزحف بطيء نحو التقدم في البرنامج النووي، ولا سيما في كل ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم.
تعتقد إسرائيل أنه رغم الوهن الذي يبديه العالم تجاه الخروقات الإيرانية الفظة في السنتين الأخيرتين وفي السنة الأخيرة بخاصة، يدرك الحكم الإيراني بأن خطوة شاذة إضافية وتخصيب مادة مشعة إلى مستوى 90 في المئة ستجعلهم يواجهون موقفاً وخطوات أكثر حزماً بكثير من جانب الدول الغربية. من ناحية فنية، إيران حققت قدرة، ولكن خطوة كهذه ستعد عملاً دراماتيكياً للغاية، وليس مؤكداً أن يكون الإيرانيون معنيين بذلك في هذه اللحظة.
نقطة بدء سيئة
لا يقلق إسرائيل فقط تخصيب اليورانيوم وإدخال أجهزة طرد مركزي حديثة، بل أيضاً مراكمة العلم والثقة الذاتية لدى إيران في المنظومة التكنولوجية والعلماء الذين يقفون خلف البرنامج النووي. إن فترة المراوحة، كما تعتقد إسرائيل، قد تستمر لسنة وفي محادثات مغلقة وعلى المستويات المختلفة، الرسالة التي تطلقها إسرائيل للأمريكيين هي أن التوقيع على اتفاق – حتى وإن كان مشابهاً للقديم- لن يتحقق إذا لم تعرض الولايات المتحدة والدول الأوروبية خطاً متصلباً بل وتشدد العقوبات ضد إيران، والتي على حد فهم إسرائيل، هي التي تملي الوتيرة في هذه اللحظة. أما رفع العقوبات التدريجي وقبول الشروط الإيرانية المسبقة فستؤدي -برأي إسرائيل- إلى نتيجة معاكسة.
بترجمة حرة وبلغة أكثر فظاظة بقليل، تقول إسرائيل إن الأمريكيين البيض لا يفهمون الواقع المتشكل في الشرق الأوسط، ولا يعرفون كيف يتحدثون إلى الفارسيين بالفارسية. ولكن هل تفهم إسرائيل الفارسية؟ ثمة ضباط كبار في شعبة الاستخبارات ممن انشغلوا في الموضوع الإيراني عشية التوقيع على الاتفاق في فيينا في تموز 2015، يقولون لـ "معاريف" إن إسرائيل فشلت في السنوات الأخيرة تقدير آثار خروج الأمريكيين من الاتفاق النووي. وعليه، ينبغي أن تبدي بعض التواضع عندما تزايد على الإدارة الديمقراطية الأمريكية مشتكية من الأخطاء الخطيرة التي ترتكبها حيال إيران الآن، إذا أخذنا بالحسبان أن إسرائيل أيضاً ارتكبت أخطاء استراتيجية.
قبل التوقيع على الاتفاق في 2015 وبعده أيضاً، رأى الجيش و"أمان" (شعبة الاستخبارات) نصف الكأس الملأى، والفضائل التي يجلبها والقدرة على حرف المقدرات إلى تحديات أمنية أخرى. بل إن جهاز الأمن شدد حتى خروج الأمريكيين من الاتفاق على أن تلتزم إيران بتفاصيل الاتفاق ولا تخرقه. أما في السنوات الثلاث الأخيرة فطرأ تغيير وسار جهاز الأمن على الخط مع الموقف الذي قاده رئيس الوزراء السابق نتنياهو ضد الاتفاق النووي.
في اختبار النتيجة، بعد سنتين ونصف من الخروج من الاتفاق، وإن كان الوضع الاقتصادي في إيران أصعب، والاحتجاج الأخير أيضاً يشير إلى مصاعب وتحديات جسيمة على الحكم هناك، فثمة تقدير بأن الحكم مستقر هناك. وأخطر من ذلك، فإن نقطة بدء المفاوضات هذا الأسبوع مع إيران أسوأ بكثير مما كانت عليه في 2015. كما أسلفنا، ليست هذه كميات غير المسبوقة من المادة المشعة في مستوى التخصيب العالي وتركيب أجهزة طرد مركزي حديثة. هذا ظاهرا يمكن التراجع عنه في إطار الاتفاق، أما العلم المتراكم والثقة بالقدرات فلم يعد ممكناً أخذهما من الإيرانيين، حتى ولا بواسطة هجوم عسكري.
ما يقلق إسرائيل هو القدرة التكنولوجية المستقلة المبهرة التي حققها العلماء في إيران. ومن جهة أخرى أن إيران ربما باتت دولة حافة نووية في كل ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، ولكن في كل ما يتعلق بعناصر مهمة بقدر لا يقل لتعريف المفهوم المتملص مثل دولة حافة سلاح نووي، فإن إيران لم تصل بعد إلى تلك المرحلة.
في العام 2003 هجرت إيران برنامجها، الذي يعني القدرة التكنولوجية والعملياتية لأخذ المادة المشعة في المستويات العالية وتصميمها في رأس متفجر يمكن تركيبه على صواريخ بعيدة المدى. ووفق تقويم الاستخبارات الإسرائيلية، بقي العلم وواصل الإيرانيون إدارة مجموعات عمل صغيرة في إطار من السرية، ولكن إيران بحاجة لسنتين من لحظة القرار للاندفاع نحو قنبلة نووية وحتى تحقيق مثل هذه القدرة. طريقة العمل الإيرانية مختلفة عن دول مثل العراق وسوريا، ودول أخرى طورت سلاحاً نووياً. فبناء قدرة تخصيب اليورانيوم الإيرانية بأهداف عسكرية لم يتم بالتوازي مع التقدم في مجموعة السلاح. تستخدم إيران تخصيب اليورانيوم لمستويات عالية كجزء من لعبة القمار التي تديرها مع الغرب، بفحص قدراتها لشد مستوى ضبط النفس (العالي جداً) لدى الأمريكيين.
المصدر: معاريف
الكاتب: تل ليف رام