حُدد يوم 29 من شهر تشرين الثاني الجاري، موعداً لعقد الجولة السابعة من المفاوضات النووية في العاصمة النمساوية فيينا، التي توقفت لعدة أشهر مع الاستحقاق الرئاسي الإيراني الذي خلُص بانتخاب السيد إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية الاسلامية. لكن اختيار ايران لهذا اليوم بالتحديد لاستئناف المفاوضات، هو ورقة إيرانية إضافية وضعتها طهران على الطاولة حتى قبل التئام الجلسة بكل أطرافها، فالشهيد مجيد شهرياري سيكون أول الحاضرين.
صباح 29 تشرين الثاني من العام 2010، وفي تمام الساعة الثامنة، حيث كانت سيارة العالم النووي مجيد شهرياري وزوجته بهجت قاسمي، تسلك طريق "أرتش" متوجهة إلى جامعة الشهيد بهشتي التي يدّرسان فيها، اقتربت دراجة نارية وألصق أحد الذين تقلهما، قنبلةً على باب السيارة الأمامي، والتي أدت إلى استشهاده فيما أصيبت زوجته، قبل 8 أيام من تاريخ ميلاده.
كان الشهيد شهرياري وهو من مواليد كانون الأول 1966، والحائز على دكتوراه في التكنولوجيا النووية داخل البلاد، مؤسس كلية الهندسة النووية في جامعة الشهيد بهشتي، ومن أبرز الخبراء الذين حلّوا مشكلة فايروس "ستاكس نت" والذي كان يهدد وقتها البرنامج النووي الإيراني، وهو فايروس يعمل على البرمجيات الخبيثة التي تهدف للتجسس على الأنظمة الصناعية خاصة تلك المتعلقة بالمنشآت النووية الإيرانية.
يروي الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية الدكتور علي أكبر صالحي انه "عندما اتُخذ القرار بضرورة البدء بالتخصيب بنسبة 20% وتم تكليفنا بهذا الأمر، تم العمل على تنظيم تشكيلات ومجموعات كبيرة من العلماء والخبراء في مختلف الاختصاصات. لكن بغية التقدم بهذا العمل بشكل أسرع كان لا بد من إجراء حسابات وخطط طوارئ. لم يكن لدينا أحد في الجمهورية الإسلامية. بذلنا جهداً لرفع هذا النقص بالعديد من الطرق، لكننا لم نتوصل إلى أي مكان. وكان التحدي كبيراً، فإذا لم يتم تنفيذ هذا الجزء سيتوقف العمل برمته. لقد كان هذا العمل شاقاً وحساساً جداً. عندما أثرت هذه القضية، تصدّى الدكتور شهرياري بهدوئه المعتاد "أنا سأقوم بهذه الحسابات". لم يكن هذا الأمر قابلاً للتصديق أبداً. كيف لشخص غير مدرب ولم يسافر للخارج أن يقوم بمثل هذا العمل؟ لكنه فعلها. قام شهرياري بهذه المهمة، فقط وفقط شهرياري. لقد أجرى كل الحسابات المطلوبة ولم يتلقَ ريالاً واحداً. حاولت كثيراً لم يأخذ مالاً".
كما أقدم الموساد أيضاً، وبذات اليوم والتوقيت والطريقة، على محاولة اغتيال الدكتور فريدون عباسي وهو رئيس قسم الفيزياء النووية في جامعة الامام الحسين، فيما نجا بأعجوبة مع زوجته.
لماذا أصرت إيران على هذا الموعد؟
طيلة العقود الماضية راهنت الولايات المتحدة و"إسرائيل" على قدرتهما في افشال البرنامج النووي الإيراني، وايقافه والحؤول دون تطويره او الاستفادة منه. لكنهما بعد أن فشلا في ذلك رغم كل العقوبات وعمليات التخريب، ذهبتا نحو عمليات اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين في محاولة لمنع طهران عن الوصول إلى استقلالها الكامل.
في أيلول عام 2009 دشنّت طهران أول معامل تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في مفاعل فردو، وبدأت بإنتاج الوقود المخصب بالنسبة نفسها بغية استخدامه في مفاعل طهران للأدوية، لتستغني بذلك عن الواردات الأجنبية وتؤمن حاجتها من الوقود، في 7 شباط 2010. هذه التجربة الناجحة كانت بمثابة ضربة لكيان الاحتلال الذي قام باغتيال أبرز مهندسي المشروع النووي الإيراني الشهيد شهرياري بعد 295 يوماً.
اليوم بعد ان استطاعت إيران أن تحجز لها مكاناً بين الدول العظمى، وانتزعت استقلالها وسيادتها رغم كل العقوبات والحصار الممنهج والمدروس طيلة عقود، ها هي اليوم تذهب إلى طاولة المفاوضات بأوراق قوة، وقد اختارت يوم اغتيال الشهيد العالم مجيد شهرياري موعداً لاستئناف المفاوضات، تأكيداً منها على ان برنامجها النووي هو حق للشعب الإيراني وقد عُمّد بالدم، وقُدمت لأجله التضحيات، وقضية وطنية لا يمكن التنازل عنها، وتذكير للدول الأطراف بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبعض المفتشين الدوليين متهمين بتسريب معلومات عن العلماء الإيرانيين للموساد، حيث كانت قد وجهت للوكالة الدولية اتهاماً مباشراً منذ زمن، وأكدت أن بعض المفتشين الدوليين هم بمثابة جواسيس للولايات المتحدة و"إسرائيل".
التوقيت ايضا للتأكيد على ان لا تراجع عن حقوقها ومطالبها التي كانت قد وضعتها، وعلى رأسها إلغاء العقوبات الظالمة عليها، ووجوب تقديم ضمانات أميركية بعدم تكرار الانسحاب من الاتفاق النووي، كما انها رسالة قوية بأن المرحلة القادمة ليست كسابقاتها.
الكاتب: غرفة التحرير