سعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طيلة السنوات الماضية لإحداث انعطاف قوي يعزز به مكانة المملكة دولياً وبالتالي ترسيخ نفوذه داخلها. لم يكن هذا الأمر ليتم دون اخماد الأصوات المعارضة، التي من الممكن أن تثير بعض التساؤلات حول مشاريعه خاصة التي تتعلق بصلب الاقتصاد السعودي كرؤية 2030 وما يتضمنها كمشروع نيوم، خاصة انه لم يقدر إلى اليوم معالجة التداعيات التي نتجت عن رعايته لعملية اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي.
عدد من الخبراء والمقربين من بن سلمان انتقدوا غير مرة رؤيته الحالمة هذه، والتي تفتقر للعديد من المقومات في بلد كالسعودية، ترتفع فيه معدلات البطالة، ويعتمد بشكل أساسي على الاقتصاد النفطي يوازيه توزيع غير عادل للثروة التي تصب في شركات ومصالح العائلة الحاكمة فقط، فيما يدفع الشباب ثمن السياسات غير المنهجية والمنفصلة عن الواقع التي يعتمدها بن سلمان والتي ورثها بطبيعة الحال من أسلافه. أبرز هؤلاء المعارضين عصام الزامل وعبد العزيز الدخيل.
محمد بن سلمان وسياسة كَم الأفواه
عصام الزامل، وهو خبير اقتصادي، من مواليد الدمام 1979، اعتقل عام 2017 على خلفية انتقاده لرؤية بن سلمان 2030، إضافة لمطالبته بضرورة إعداد السعوديين لسوق العمل، كما خاض في غمار السياسة الحكومية وانتقد السياسة الاقتصادية للمملكة كاتباع الخصخصة وبيع أصول الدولة خاصة شركة أرامكو، إضافة للمبالغة في التزوير على غير صعيد، حيث عمد أيضاً إلى التشكيك بنزاهة عمل القضاء، حتى لو لم تقر السلطات الرسمية بذلك وراحت لتوجيه عدد من الاتهامات بحقه. سيل كبير من التهم وجهت للزامل بغية إيجاد تبرير لاعتقاله، كالتحريض على الاحتجاجات ولقاء دبلوماسيين أجانب دون ابلاغ الأجهزة الرسمية بذلك وغيرها.
كان الزامل كاتباً في العديد من الصحف العربية والعالمية، حيث صنفته مجلة "فوربس" على أنه أحد أبرز الشخصيات الاقتصادية في المملكة. حصل على تكريم الملك سلمان بن عبد العزيز عام 2014، إلا ان ذلك لم يقيه من الاعتقال.
استقال الزامل من المنصب الحكومي الذي كان يشغله، وعمد إلى انشاء عدداً من البرامج والتطبيقات خاصة تلك المرتبطة مباشرة بسوق الأسهم والبورصة السعودية. إضافة لسعيه الدائم في خلق رأي عام سعودي يشجع على الصناعة الوطنية والحرفية للشباب السعودي وبناء جيل قادر على إدارة اقتصاده بنفسه، طارحاً عدداً من الاقتراحات لأزمات اقتصادية كانت تمر بها البلاد أبرزها إعادة تفعيل قطاعي الإنتاج والصناعة، اصلاح المشاكل الهيكلية، من خلال اطلالته التلفزيونية. مؤكداً على ان "أن بيع هذه الأسهم سيعني من دون شك بيع النفط الخام تحت الأرض...هذا النفط ملك للشعب كله ولا يمكن أخذ هذا القرار دون موافقة الجميع".
وقد كشف تجمع حقوقي سعودي عام 2020 انه قد تم الحكم على الزامل بعد 3 سنوات من اعتقاله، بالسجن لمدة 15 عاماً.
اسم آخر يبرز أيضاً ضمن لائحة الاقصاء، وهو عبد العزيز الدخيل، من أوائل السعوديين الذين حصلوا على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد داخل البلاد، وله مؤلفات عدة تعتبر بمثابة مراجع مهمة في الاقتصادي السعودي. تم تعيينه في وزارة المالية، إلى ان تولّى منصب وكيل الوزارة لإدارة الاستثمار، لكنه لم يستطع الانسجام مع حجم الفساد المتغلغل في الوزارة والإدارات التابعة لها، فتقدم باستقالته عام 1980. مع تطور وسائل التواصل ووسائل الاعلام داخل البلاد، بدأ بنشر نظرياته وطروحاته علانية، الأمر الذي لم يلقَ قبولاً لدى ولي العهد ما دعاه إلى اتخاذ قرار العقاب بحقه، حيث تمت مداهمة منزله واعتقاله مع نجله ومصادرة كل ما يمتلكه، وبعد إطلاق سراحه اتخذ القرار بمنعه من السفر.
رأى الدخيل بعد ذلك بأن يتجنب الصدام مع المباشر مع السلطات الرسمية، إلا ان بعض تصريحاته الإعلامية التي انتقد فيها مشروع نيوم كانت السبب لإعادة اعتقاله مرة أخرى، حيث أشار في عدد من المقابلات إلى ان "هذا المشروع ليس الأمثل لاقتصاد هذه الدولة، فإنه لا يحل المشكلة الجوهرية، التي تكمن في غياب الإنتاجية العمالية، وهو ليس إلا جمع لعدة دول، ومساهمة كل دولة بمبادرة و لكن تنفيذ المشروع ليس مرتبطا بالمبادرات بل بالشعب أي بالإنسان...دون تطوير اليد العاملة في السعودية، لا يمكن لأي مشروع أن يسبّب نهضة حقيقية في الاقتصاد السعودي".
الكاتب: غرفة التحرير