تشكلت قوات سوريا الديمقراطية [قسد]، كقوة مسلحة في شمال شرق سوريا بعد هجوم داعش الإرهابي على المنطقة واحتلالها في العام 2014. كان يُنظر إليها في بداية التشكل على أنّها قوة شعبية مقاومة للتنظيم الإرهابي، الذي غزا منطقة الجزيرة السورية، واحتل مساحة كبيرة منها امتدت من غرب الفرات إلى شرقه. اذ أعلن عن إنشاء قسد في 11 تشرين الأول/ اكتوبر 2015، عبر مؤتمر صحفي عقد في الحسكة، وأعلن أنذاك أن وحدات حماية الشعب وحماية المرأة تعمل في جميع أنحاء مقاطعة روج آفا، أي كردستان الغربية، كما يشير إليها القوميون الأكراد.
ومنذ بداية المظاهرات أو المشاغبات، التي ابتدأت في سوريا كان واضحاً حجم التحرك الكردي المتواطئ مع مجموعات مسلحة مثل الجيش الحر، أي أنها قامت على قوة عسكرية مشتركة عربية- كردية، والتي حاربت معها جنباً إلى جنب من أجل الإستيلاء على مدينة عين العرب الإستراتيجية، والإستيلاء على مدينة تل أبيض في نيسان/ أبريل في العام 2014. وما يلفت المراقب دقة العمل التنظيمي والإداري لقسد وأخواتها منذ اللحظات الأولى لاعلان نشوءها.
أعلن طموح الحركة في كانون الأول/ ديسمبر2015، بإعلان رسمي للجناح السياسي في قسد، والمعروف باسم مجلس الديمقراطية السورية [مسد]، وتمثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق الفرات، فإن الحركة معنية في تنفيذ نظام علماني لا مركزي في سوريا. وانتخب هيثم المناع كأول رئيس لها، ولكن القيادة العربية أنهيت في العام 2016، وبرز حجم السيطرة الكردية على التنظيم ومجلسه السياسي.
مجلس "مسد" مكون من 13 عضواً من خلفيات عرقية مختلفة، إلّا أنّ التوجه السياسي للمجموعة كان محدداً ومعروفاً ومعارضاً للدولة السورية منذ البداية. وبناء عليه جاء إعلان الولايات المتحدة بأن قسد نشأت من رحم التحالف العربي السوري للميليشيات الإثنية العربية حصراً، والذي تأسس خلال الحرب "الأهلية" السورية والإعتراف بها جاء في سياق التحضير للمرحلة الانتقالية التي بانت أهدافها في العام 2018.
وإذا عدنا بالتاريخ إلى مرحلة ما قبل 2018 بالذات، كان التعاطف مع قسد كبيراً، وخاصة بعد تعرض الإيزيديين في 2014 للتنكيل والقتل والإتجار بنساءهم ورجالهم من قبل تنظيم داعش بعد دخولهم منطقة سنجار في شمال غرب العراق. وركز الإعلام الغربي والعربي المتآمر على ما يقترفه الداعشيون ضد الإيزيديين تحديداً، متغافلين عما كان يقوم به التنظيم الإرهابي ضد عرب المنطقة، وضد الآخرين في الموصل ونينوى وشمال شرق الفرات ومن فيها من أصحاب الحق التاريخي في الشمال الشرقي من سوريا من عرب وآكاد وآشوريين وسريان. وبناء عليه فقد قدم الإيزيديون كـ"كبش فدى" لمشروع إقامة دولة كردستان الحرة، وإنطوائهم تحت رايتها.
مشروع إقامة الدولة الكردية، مرتبط بخطة برنارد لويس بوجوب إعادة تقسيم الشرق الأوسط الجديد، والذي يتضمن إقامة دول على أساس إثني وطائفي، والدولة الكردية جزء لا يتجزأ منه.
بداية تطبيق الخطة بدء من شمال العراق وما يتأمل اليوم امتداها إلى شمال سوريا، وخارج الإطار التاريخي لدولة كردستان قبل توسعها إلى ما يسمى بـ "دولة كردستان الحرة" الممتدة إلى إيران وتركيا. وهو أمر يفهم منه سبب محاربة تركيا ومنافستها الشرسة لقسد وهجومها المتكرر عليها وربطها بحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تنظيماً إرهابياً، وهوصاحب تسمية شمال شرق سوريا بـ"روج آفا". وقد أسس المشروع الأميركي لإقامة إدارة ذاتية كردية في شمال شرق الفرات، وشمالاً في تل أبيض وعين عرب، وبدء بإطلاق التسميات الكردية على مدن سوريا التاريخية السريانية والعربية.
قسد وفرعها السياسي مسد والإدارة الكردية الذاتية ليسوا أمراً طارئاً فرضته حالة الأمر الراهن، التي تسبب بها تنظيم داعش في العراق وسوريا. كل ما يتعلق بهذه الظواهر هو أمر تم التحضير له في دوائر الغرب وخاصة في أوروبا. في العام 1992، كنت ما أزال يومها غراً في الصحافة. قررت الذهاب إلى القامشلي والحسكة في سوريا لكتابة تحقيق حول الإيزيديين، وخلال تواجدي بينهم وهم قلة صغيرة، لفتني نقاط أربعة:
- الأولى، أن هناك أعدادًا كبيرة جاء معظمها من تركيا، هرباً من التمييز العنصري ضدهم، وهم حملة بطاقة التعريف الحمراء، ومعظم هؤلاء كانوا يسكنون في قرية الخاتونية التي تبعد عدة كيلو مترات عن الحدود الشمالية الشرقية مع تركيا.
- النقطة الثانية، أن بعض منهم جاء من جبل سنجار في العراق، وأعضاء المجموعتين لم يتحدثوا سوى الكردية، مثقفوهم كانوا مهاجرين في أوروبا وابتدؤوا فيها تحركات تشبه بداية الحركة الصهيونية في أوروبا. واعتُبروا كلاجئين سياسيين يعانون من التمييز العنصري والقانوني ضدهم في العراق وتركيا.
-النقطة الثالثة، كان بين الإيزيديين سوريي الجنسية، يتمتعون بحقوق كاملة، وحتى أنني التقيت بمحام منهم أكد لي أنهم يخدمون في العسكرية، وأن بناته الثلاث هم طالبات في الجامعة وإحداهن كانت تدرس الصيدلة. فيما كانت أفرع الطب والقانون والصيدلة محرمة على جميع الأكراد في العراق.
- النقطة الرابعة، وللأسف، العصبية بين الأكراد المسلمين السوريين، الذين كانوا يصرون على تمايزهم عن أقرانهم السوريين من إيزيديين وسريان وأكاديين وآشوريين، ومعظمهم مرتبط بعلاقات مع مؤسسات المجتمع المدني في أوروبا.
بناء العلاقات هذا مع أوروبا بانت نتائجه الفعلية اليوم عبر تقوية قسد والأكراد عسكرياً، والسعي نحو تمكينهم سياسياً خاصة بعد العام 2018، وانتقال القوات الأميركية من شمال سوريا لتتمركز في شمالها الشرقي بجانب حقول النفط والغاز السورية في عهد دونالد ترامب. ويهدف هذا الإنتقال إلى محاصرة الدولة السورية وتجفيف مصادرها الهامة من أجل التنمية وإعادة الإعمار تمهيداً لفرض تسويات عليها بمساعدة الإدارة الذاتية الكردية، ومن هذه التسويات منح الإدارة الذاتية للأكراد في شمال شرق سوريا، والتي ستدعم حتماً لتتحول إلى حكم ذاتي يشبه كردستان العراق، ومرتع صهيوني يشبهها في ذلك أيضاً، وفي هذا كلام آخر.
الكاتب: عبير بسّام