بعيد الانفجار المزدوج الذي استهدف مطار كابول وادى الى سقوط قتلى وجرحى، برز من جديد ملف حماية مطار كابول الذي سبق ان طرحت تركيا تسلمه قبل ان تصدر المواقف الافغانية الرافضة لذلك، لكن مؤخرا ظهرت مواقف من حركة طالبان ترحب بالوجود التركي وتدعو الى التعاون بين الطرفين.
فما سرّ هذا التغير بمواقف طالبان؟ وماذا يمكن ان تجنيه الحركة من الوجود التركي في أفغانستان؟ والأهم ما الهدف الحقيقي من الوجود التركي هناك؟
الأكيد ان طالبان اليوم بعد عودتها الى السلطة تحتاج الى دول تفتح لها أبوابها وتساعدها وتثبت من خلال التعاون معها شرعيتها وسيطرتها في الداخل للقول إنها تغيرت عن الماضي وانها تريد الاستقرار وبناء الدولة وإعمارها، وهي لذلك ستتعاون مع أنقرة بالرغم من إمكانية وجود نوايا تركية مبيتة تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة قبل مصالح الأفغان.
والواضح ان الهدف الأساسي لتركيا هو توسيع النفوذ في أفغانستان وآسيا الوسطى وبعد ذلك الاستفادة منه بعدة طرق، سواء على صعيد "تسليف خدمات" للاميركيين او للاستفادة منها ضد الصين وروسيا وإيران وربما ضد بعض الأنظمة الخليجية التي أبدت العداء لتركيا لا سيما في الامارات والسعودية، ما يعني ان تركيا تهدف بشكل أساسي الى تحقيق مصالحها اولا بغض النظر عن المصلحة الافعانية، وانقرة ستحاول اخذ أفغانستان كجسر عبور للتوغل في آسيا وتنفيذ أجندات سياسية واقتصادية لها، والجميع يدرك مدى رغبة تركيا بزيادة نفوذها الدولي والاقليمي من خلال الخوض في صراعات عديدة، فهي تحاول فرض نفسها كلاعب أساسي ومؤثر.
ومن أهداف تركيا للذهاب الى افغانستان:
-ملف اللاجئين: ستعمل تركيا الى حد من عبور اللاجئين إليها وبقائهم فيها في حال عجزوا من العبور الى القارة الاوروبية، وبهذا السياق، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اكثر من مرة ان تركيا ليست مستودعا للاجئين، وهو يخاف تكرار وصول المزيد منهم كما حصل خلال فترة الازمة السورية.
-منع وصول الارهابيين الى تركيا: ثمة من يعتقد ان تركيا عندما قررت الذهاب الى افغانستان أخذت بعين الاعتبار محاربة الارهاب هناك بدل وصوله إليها، وهذا ما يؤكد ان ليس كل ما يعلن اليوم من رغبات ونوايا تركية توصف بالحسنة والايجابية هي صادقة، لان تركيا عندما تذهب لمواجهة الارهاب فهي تهدف لمهاجمته قبل ان يهاجمها، علمًا ان تركيا لا سيما في الازمة السورية كانت خير من استفاد من الجماعات الارهابية ووظفها وشغلها لمصلحته.
لكن يبقى السؤال الأهم، هل ان موافقة طالبان على الدخول التركي الى افغانستان سيجعل البلاد معبرًا آمنًا للاتراك لتحقيق مشاريعهم بدون أثمان لذلك؟ قد تكون طالبان هي "اللاعب" الأقوى على الساحة الافغانية لكنها ليست اللاعب الوحيد بالتأكيد وهناك من يستطيع القيام بعمليات كعملية التفجير في مطار كابل، لذلك على تركيا وغيرها من القوات الاجنبية تحضير نفسها لدفع ثمن وجودها في الداخل الافغاني خاصة اذا اعتبرت قوات احتلال، فليست كل أفغانستان هي جهة واحدة ممثلة بطالبان حيث توجد الكثير من الجماعات المتشددة التي قد تقرر رفض الوجود التركي.
ومن هنا لا بد من التفكير مليًا في الاهداف التي أرادت الادارة الاميركية تحقيقها مع انسحابها من أفغانستان، فأميركا تركت افغانستان وعينها على الفتن والصراعات الداخلية المحتمل نشوبها للقول إن وجودها كان ضمانة للأمن والاستقرار، وبعد ذلك لا يهمها سواء كانت النار المشتعلة بين الافغان انفسهم او بينهم وبين الاتراك او غيرهم إن وجدوا، فأميركا ستحاول الاستفادة من الوجود التركي قدر المستطاع بينما الاثمان ستدفعها أنقرة لوحدها، بالمقابل ستحاول تركيا بقيادة أردوغان بيع خدمات للاميركيين في عدة مجالات أبرزها ان "تركيا الدولة السنية" قادرة على التفاهم مع الافغان أكثر من غيرهم وأنها ستعمل لكسب ودهم قدر المستطاع للانطلاق لتنفيذ أجندة على عدة خطوط:
-ستحاول تركيا الاستفادة من الثروات المعدنية الموجودة في افغانستان ومن موقعها الجغرافي المميز، وبالتالي فهي بقدر ما ستحاول إيهام الافغان انها ستساعدهم في بناء دولتهم، فهي لن تذهب الى تلك البلاد فقط لتأمين مطار كابول ولدعم الشعب الافغاني بل ستحاول "استغلال" ثرواته التي تركتها الولايات المتحدة بعد فشلها في البقاء هناك.
-مساعدة اميركا في محاولتها المس بأمن واستقرار عدة دول (الصين، روسيا وايران) انطلاقًا من أفغانستان، خاصة ان لهذه الدولة حدود مع ايران والصين وعدة دول قريبة من روسيا كطاجيكستان، اوزبكستان وتركمانستان.
وهنا السؤال كيف سيكون تعاطي روسيا والصين وايران مع التواجد التركي المؤثر في حال ظهرت مؤشرات انه سيستخدم ضدها بشكل او بآخر، خاصة ان لتركيا أدوارًا غير محمودة بل سيئة في التعاطي معها، مثال على ذلك محاولات التدخل التركي سابقًا في شؤون الصين من بوابة أقلية الإيغور هناك، المحاولات التركية المستمرة لاثارة النزاع بين حليفتها أذربيجان وأرمينيا على مقربة من الحدود الروسية الايرانية ومحاولات التحرش الدائم بالامن الاقليمي في تلك المنطقة في محاولة لتوسيع دائرة نفوذها.
وأبرز مثال على الدور التركي السيء هو ما قامت به أنقرة في سوريا والعراق مع وجود الجماعات الارهابية الذي أظهر مدى استغلال تركيا لها لتوسيع نفوذها، ومن يدري قد تعمل تركيا لاستغلال الجماعات التكفيرية لتوتير الاجواء في الداخل الافغاني وتأجيج الصراعات الداخلية خدمة لمشروع أميركي متفق عليه سلفا، لان اميركا عندما خرجت كان من اهدافها ترك الافغان يتصارعون فيما بينهم من جهة، ومن جهة اخرى ضرب أمن الدول المحيطة وعلى رأسها ايران، لكن هذا ما أظهرت الوقائع فشله لانه تبين ان ايران رتبت أوضاعها وحضّرت نفسها لمثل هذه اللحظة وأقامت علاقات متوازنة مع الافغان بشكل عام ومن بينهم طالبان.
والجدير ذكره ان المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد أكد أن "أفغانستان اليوم بقيادة طالبان تطمح إلى تحقيق علاقات دبلوماسية مع جميع الدول.. ولا تنوي التوسع في آسيا الوسطى أو إلى حدود روسيا".
الكاتب: غرفة التحرير