ظهرت السياسية الأمريكية في لبنان بموقف ضعيف فور إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله استقدام سفينة الوقود من إيران. فبعد مسار طويل من الحصار المطبق على اللبنانيين وتعطيل الحلول، فجأة أصبح هناك حلول لتبادر إليها الإدارة الأمريكية، فأبلغت السفيرة الرئيس ميشال عون عبر اتصال هاتفي الخميس مستعجل، بقرار الولايات المتحدة مساعدة لبنان في الحصول على الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا عن طريق الغاز المصري. وأوضحت أنه "سيتم تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولا إلى شمال لبنان".
هذه المبادرة تناولتها وسائل الإعلام كافة، المؤيدة والمعارضة للسياسات الأمريكية في لبنان، كما لو أنها ردة فعل تشبه الاستجابة العكسية لتلقي الصفعات، وهذه الاستجابة تحتمل أمرين، إما أن الأمريكيين لا يتصرفون في لبنان وفق خطوط سياسية محددة في صناعة القرارات بحيث يجدون أنفسهم في موقف ردة الفعل في الوقت الذي يعمدون فيه إلى فعل الحصار، وإما أنهم كانوا مستبعدين خطوة الحزب هذه وقد اعتبروها مجرد تهويل.
وفي مقابلة لها مع موقع العربية بالانكليزية، قالت شيا: "أحاول إيجاد حلول للشعب اللبناني"، ورفضت اتهام السيد نصر الله تحميل الإدارة الأمريكية كل شيء عندما قال: "الولايات المتحدة هي مصدر الأزمة في لبنان، السفارة الأميركية في لبنان تحرض وتفرق الشعب، انا أقول للبنانيين: لا تعتمدوا على الأميركيين تعلموا وخذوا درساً مما جرى في أفغانستان". فردت عليه شيا بالقول: إنّ اتهامنا (الولايات المتحدة) بأنّنا سبب المشكلة الأوحد.. والهجمات الشخصية (علينا) تمثّل أضعف أشكال الحجج"، وأضافت: "إذا كان هذا جل ما يمكنه (نصرالله) حشده لتفسير حالة البؤس التي يعيشها اللبنانيون، فقبحاً له". الوقائع التي اعتبرتها شيا "هجمات شخصية"، ردت عليها بهجمة شخصية عندما توجهت إلى السيد نصر الله بالشخصي وقالت له "عار عليك" وجعلت المسألة وكأنها تحديًا شخصيًا سطحيًا عندما توجهت إليه بالقول: "هل هذا أفضل ما لديه" ، تحاول شيا من خلال شخصنة التصريحات أن تفرغ إعلان السيد، وتضعه في إطار سطحي بعيدًا عن الأثر العميق للإفلاس الأمريكي أمام إعلان السيد نصر الله.
الواقع أن استجرار الغاز المصري تم اقتراحه منذ العام 2016 لحل أزمة استنزاف الدولارات على شراء الفيول، إلا أن الحريري الذي كان رئيسًا للحكومة منذ 2016 وحتى نهاية 2019 وقبل أن يصدر قانون قيصر، كان لديه اعتبارات المعركة مع النظام السوري أهم من تأمين هذا العقد، وبقي الملف متوقفًا حتى اليوم لاعتبارات مختلفة كلها تصبّ في جعبة الإدارة الأمريكية. والحال أن السفيرة الأمريكية بمجرد أن أعلنت استقدام الغاز المصري بعد كل هذه الفترة، فإنها قد ثبتت تورط الإدارة الأمريكية بفرض الحصار الخانق على لبنان أولًا، وعلى الرغم من أنها صرحت في المقابلة عينها بأنها "تحاول إيجاد حلول للشعب اللبناني" إلا أن هذا التوقيت في إعلان استجرار الغاز يعني بكل وضوح أنه ليس هناك نية لمساعدة اللبنانيين لولا الحاجة لردود فعل على حزب الله.
ولدى سؤالها عن رد الولايات المتحدة على إعلان نصرالله أنّ الوقود الإيراني في طريقه إلى لبنان، تجنبت شيا المواجهة المباشرة، فلم تمنع دخول السفن أو أن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات تُعرقل وصولها، لإن هكذا خطوة أو تصريح سيؤدي إلى تصوير السفيرة بشكل واضح بأنها عمليًا تُعارض تزويد المستشفيات والأفران والحالات الإنسانية بالمشتقات النفطية. فبادرت بالقول: "إنّ لبنان لا يحتاج إلى ناقلات إيرانية"، مشيرةً إلى أنّ شحنات عدة تقف قبالة الساحل بانتظار أن تفرغ حمولتها. وهي تريد بذلك صرف الانتباه إلى أن أساس المشكلة داخلية نتيجة الأزمة الاقتصادية ونقص الدولار.
والأهم من كل ذلك، هو المأزق الذي تواجهه الإدارة والكيان الصهيوني في التعامل مع قضية البواخر، وقد عبر عنه موقع Israel Defense بالاعتراف بأنها "إن اعترضتها ستولد نقمة لدى الشعب اللبناني الذي سيدعم الرد من قبل حزب الله الذي ستزداد شرعيته وان لم تعترضها فسيكون حزب الله منقذا للبنان أيضا". وهذا الأمر يذهب بمسألة استيعاب البيئات المعادية للمقاومة بعيدًا عن التفاعل السلبي مع خطوة استقدام المازوت الإيراني. هذا الأمر لن تقبل به لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا خصوم حزب الله الداخليين، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات، إضافةً إلى أن إعلان السيد تضمن أن الاستفادة ستكون لكل لبنان، وبالدرجة الأولى للمستشفيات والأفران ومصانع الأدوية، وهو بُعدٌ انسانيٌ بامتياز سيجعل هامش المناورة أمام الولايات المتحدة الأمريكية ضيق. فبادرت السفيرة الأمريكية إلى التشكيك بهذه المسألة بالقول: "لا أعتقد أن أحداً سيقبل تحمّل المسؤولية إذا كان شخص آخر قادر على إيصال الوقود إلى المستشفيات حيث الحاجة إليه. ولكنني أعتقد أنّ الشعب اللبناني يستحق مستوردي وقود يوزّع بطريقة عادلة. وأنا أسأل، هل يمكن الاعتماد على "حزب الله" للقيام بذلك؟".
وإذ كشفت شيا أنّها تتواصل هاتفياً مع مسؤولين لبنانيين من أجل المساعدة على التوصل إلى حل، علّقت: "يستطيع لبنان فعل ما يشاء في نهاية المطاف". من غير الواضح ما الذي قصدته شيا في هذه العبارة، إلا أنها تورد إلى الأذهان التعليق المزهري الشهير لرامسفيلد في الحرب على العراق، ردًا على سؤال حول موقف الولايات المتحدة بأن سرقة المتاحف كانت تحصل أمام أعين الجنود الأميركيين، فقال: "الناس أحرار في أن يفعلوا ما يشاؤون". وبقيت طيلة سنوات الاحتلال راعية للفساد في الدولة العراقية ومعرقلة للحلول المستدامة تمامًا كما فعلت في أفغانستان، وهو تمامًا ما فعلته في لبنان للحفاظ على نفوذها، والإبقاء على النظام اللبناني مفخخًا بالفساد حتى تصل البلاد إلى مرحلة الانهيار الذي لا ترفعه إلا الولايات المتحدة فتخضع بذلك حزب الله، إلا أن سفن الحزب صمدت بما لا تشتهيه رياح الإدارة الأمريكية.
الكاتب: غرفة التحرير